لم تكن المصادفة وحدها هى التى جمعت بين الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف، واللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية، فى مقعدين متجاورين بالاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، بل اكتمل المشهد أيضا بابتسامة وزير الأوقاف فى وجه العادلى، فى الوقت نفسه الذى كان يصرخ فيه النائب الإخوانى، علم الدين السخاوى، فى مجلس الشعب مطالبا وزير الأوقاف بالاستقالة بسبب ما أسماه «سيطرة الأمن على وزارة الأوقاف»، بعد أن حصل على وثيقة تثبت استبعاد 5 ممن نجحوا فى اختبارات الأئمة من التعيين، واعترف جمال فهمى، وكيل الأوقاف لمديريات الوجه البحرى، بأن هؤلاء تم استبعادهم من العمل كأئمة بسبب ملاحظات أمنية، مشيراً إلى أنه سيتم تعيينهم فى وظائف إدارية، ولن يتم ابتعادهم نهائيا كما قيل.
ورغم أن الحديث عن وجود تدخل أمنى فى شئون وزارة الأوقاف كان يرتبط بفترة «الاعتكاف» بالعشر الأواخر من رمضان أو فى صلوات العيد، فإن الحديث عن هذا التدخل أصبح طوال العام، فالإخوان لم يجدوا فرصة لمهاجمة الوزارة إلا واستغلوها للتذكير بأنها أصبحت فى يد الأمن، بينما الأوقاف من جانبها لم تجد أى ثغرة يدخل منها الإخوان إلى ما يخصها إلا وأغلقتها، خاصة بعد أن أصدرت عام 2002 شروطا جديدة لبناء المساجد ضمانا لزيادة سيطرتها عليها، وهو مابرره زقزوق فى ذلك الحين «بأنه من أجل التخفيف من حدة ظاهرة وجود عدد كبير من المساجد والزوايا فى شارع واحد، مما يحدث الفوضى والاضطراب واختلاط الأصوات عند الأذان أو إلقاء خطبة الجمعة أو أداء الدروس الدينية وهو ما يسىء إلى هيبة هذه المساجد ويشوش على ممارسة الشعائر» وهو مارد عليه الإخوان بأنه لتأميم الدعوة، إلا أن خطة الوزارة ظهرت عليها بوادر النجاح حاليا، خاصة بعد أن وصل ماضمته من مساجد إلى أكثر من 100 ألف مسجد وزاوية.
لكن يقلل من أهمية هذا النجاح، الخطر الذى استشعرته الأوقاف من الفشل فى السيطرة على المساجد، وسيطرتها على الأبنية فقط، لتكتشف أنه ليس الإخوان فقط هم من ينازعونها على المساجد، فهناك السلفيون أيضا بعد أن بدأت الأفكار السلفية فى التسرب إلى مساجدها، وهو ما واجهته بإصدار كتاب «السلفية والسلفيين» عام 2008 للدكتور محمد عمارة، وبعد أقل من عام أصدرت كتاب «النقاب عادة وليس عبادة» لمجموعة من المشايخ، ووزعت الكتابين على 45 ألف إمام وداعية تابعين لها.
ولأنها حرب أفكار والانتصار فيها يكون للأطول أنفاساً وأكثر انتشاراً، كان يمكن أن تكسب الأوقاف هذه الحرب ولكن حدث العكس، حيث تم تفسير الشكوى من تدخل الأمن فى شئون الأوقاف، بأنه يرجع لفشل الأخيرة فى حرب الأفكار ولجوئها إلى الأمن، إلا أن الصدمة الكبرى كانت حينما استيقظت الوزارة فجأة لتجد 15 من موظفاتها يرتدين النقاب وهى ضربة سلفية جديدة لها فى عقر دارها، ولعل هذا ما يفسر ارتياحها للاعتراف الأخير بتدخل الأمن فى أعمالها، بعد رفض شديد استمر لأعوام من جميع مسئولى الوزارة بأنه لا أحد يتدخل فى شئونها لا الأمن ولا غيره، فماذا تغير فى الأمر وهل هو فعلا تسليم من الأوقاف بهزيمتها فى حرب الأفكار؟
الإجابة هذه المرة كانت من الشيخ شوقى عبداللطيف، وكيل وزارة الاوقاف لشئون الدعوة، حيث نفى التسليم بهذا التفسير، فـ«الأوقاف» وزارة سيادية، ونثق فى أئمتنا، فلا يوجد منهم من ينتمى إلى تيار بعينه، على حد قوله، مشيراً إلى أن الحديث عن تدخل الأمن هدفه الوقيعة بين الوزارتين، وأضاف: «الأمن جزء من هذا الوطن وهم أبناؤنا وإخواننا ولا يمكن أن نصور الأمر بأنه عداوة بيننا وبينهم فكلنا يعمل لمصلحة الوطن».
الإجابة لم ترض النائب الإخوانى على لبن، الذى شن هجوما على الأوقاف وخص الدكتور حمدى زقزوق بقوله إنه «حولها إلى وزارة لبيع الأراضى بالتقسيط، والحجر على الدعاة، أما الحديث عن محاربة التيارات المتشددة فيراه لبن منطقا «غير مقبول» فالناس واعية لهذه الأمور ولا تسمح بأى تيار متشدد أن يسيطر على المساجد، رافضاً القول بسيطرة الإخوان على أى مسجد، وعلق على ذلك قائلاً: «أنت لا تستطيع أن تجلس لدقائق بعد انتهاء الصلاة فى أى مسجد، فكيف تستطيع السيطرة عليه».
ما قاله النائب الإخوانى رفضه الشيخ شوقى عبداللطيف نافيا صحة هذه المعلومات بل ووصفها بـ «الشائعات التى لا يجب أن نجرى وراءها» مشيراً إلى أن الإخوان أو غيرهم يقولون هذا الكلام كثيراً دون أى سند، شوقى أيضاً قال إن الكتب التى تصدرها الوزارة تهدف لنشر وسطية واعتدال الإسلام وتوضيح مفاهيمه الصحيحة للناس، فالوزارة ليست طرفا فى حرب مع أحد إنما هى تقوم بدورها فى التنوير فقط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة