كان طارق مصطفى يعمل سائقا على سيارة تكريم الإنسان فى الجمعية الشرعية، ينقل الموتى إلى المقابر، وخلال تلك الفترة تعلم تغسيل الموتى وتكفينهم على يد المغسلين فى تلك الجمعية، ثم قرر بكامل إرادته أن تكون مهنته هى: «متعهد تغسيل وتكفين ونقل الموتى»، وفضلها على مهنته الأساسية كسائق.
لم تتقبل زوجته فى بداية الأمر عمله مباشرة مع الموتى، فالأمر يبدو لها مخيفاً، إلا أنه بالنسبة لطارق، عمل يبتغى به وجه الله، رغم كل المشاهد الأليمة التى يراها يوميا وتحفر فى ذاكرته.
حالات الحروق من أصعب الحالات التى لا يستطيع تحمل رؤيتها، خاصة تلك التى تم حرقها بالبنزين، فتتحول الجثة إلى اللون الأسود المتفحم.
يبدأ طارق رحلته مع الميت منذ اللحظة الأولى، حيث تستدعيه المستشفى ليبدأ فى اتخاذ اللازم لوصول الميت سالماً إلى الدار الآخرة، يتسلم الجثة من المستشفى ليضعها فى الثلاجة، ويبدأ رحلة البحث عن أسرة المتوفى من خلال رقم الهاتف الموجود فى المستشفى، فإن لم يستطع الوصول إليهم، يبلغ القسم الذى يستدل على العنوان، ويجرى إجراءات النيابة، فإذا لم تتوافر أى شبهة جنائية يصرح بالدفن فى مقابر الصدقة.
«أسبوع واحد» هو أقصى مدة يمكن أن تمكثها الجثة فى ثلاجة التبريد، إلا أن هذه المدة يمكن أن تمتد لأكثر من شهر فى ثلاجات التجميد فى مشرحة زينهم. كما يقول طارق، ويضيف: فى بعض الحالات، تأتى الجثة إلى المشرحة فى حالة تعفن، فتوضع فى أقرب ثلاجة لتبدأ النيابة تحقيقاتها، وخلال تلك الفترة يمكن أن تتغير ملامح الجثة.
«اذكروا محاسن موتاكم» لهذا يحرص طارق على الستر على الميت، وعدم البوح بأى علامة يمكن أن تسىء إليه، فكثيراً ما يلمح فى وجه المتوفى غضبا من الله، على حد قوله، حيث يكون وجهه مسوداً ويصعب تحريكه أثناء الغسل، وقد لمح هذه العلامات أثناء تغسيل جثة رجل، حضر ابنه الغسل وكان منهمكا فى البكاء، ثم قال له: «أنا كنت بقول لأبويا صلى ومكانش بيرضى، وجه اليوم اللى حيدخل الجامع غصب عنه والناس حتصلى عليه».
أما العلامات الطيبة، فيحرص على ذكرها لأهل المتوفى، مثل الوجه المبتسم البشوش الذى يكون جسمه مرنا، بحيث لا يبذل أى مجهود فى تغسيله وبمجرد أن ينتهى من تغسيل الجثة، يبقى منفردا مع نفسه، يستدعى المشهد مرة أخرى، يحاول أن ينساه لكن دون جدوى «ربنا مدينى صبر وقلب قوى عشان أقدر اشتغل هنا».
بالتأكيد فكر أكثر من مرة فى اعتزال هذه المهنة، خاصة بعد أن بدأت تنهال عليه الكوابيس لتقلق نومه، رغم كل محاولاته لنسيان أصعب المشاهد التى تتوالى عليه يوميا، لكنه يقول: لو كل الناس هربت من المهنة دى، مين اللى هيهتم بيا أنا شخصيا لما أموت؟
بدأ حياته سائقاً لسيارة تكريم الإنسان ثم قرر أن يطوّر من نفسه
طارق يضمن لك رحلة ممتعة إلى الآخرة.. تخليص إجراءات.. تغسيل.. تكفين.. توصيل إلى القبر.. وكله بثوابه
الخميس، 21 مايو 2009 10:35 م
طارق يمارس مهنته رغم الكوابيس التى تؤرق نومه -تصوير - طارق وجيه<br>
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة