طوال 28 عاما تشاركنا أياما حلوة وأخرى مرة مع الرئيس، اختلفنا واتفقنا معه ومع سياساته، ولكن فى المصاب الأليم والفاجعة التى أصابته بفقد حفيده محمد علاء مبارك، كلنا معه نشاركه الحزن والألم وندعو للفقيد أن يتغمده الله برحمته، وأن يلهم أسرته الصبر والسلوان، فأمام الموت لا يملك أحد شيئا غير الدعاء للرئيس وأسرته، ونقول لهم قول الله تعالى "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".
لكن ما نشعر به من ألم تجاه رئيسنا، لا ينبغى أن يشغلنا عن تأمل الطريقة التى تعاملت بها أسرة الرئيس مع المصاب، وكيف تعاملت بعض أجهزة الدولة مع الأمر، وأظن أن الرئيس مبارك وهو فى هذه الحالة الصعبة، وهو يفقد أكبر أحفاده، تعامل مع الأمر بالكثير من العقلانية، حيث شدد فى البيان الصادر عنه على اقتصار العزاء على تشييع الجنازة، وجاء نعى الفقيد فى الأهرام أمس، الثلاثاء مزيلا برجاء من أسرة الرئيس بعدم المشاطرة بنشر التعازى فى الصحف.
الرئيس الذى كان يتحدث قبل أيام فى احتفالات عيد العمال عن الفشخرة الزائدة من رجال الأعمال ضرب مثالا يجب أن نحتذى به جميعا، ففى لحظة فقد الحبيب لا نحتاج لعزاء أو مشاطرات فى الصحف، وإنما نحتاج إلى الصبر، ويحتاج الراحل إلى الدعاء والصدقة الجارية التى تنفعه يوم الحساب.
وإذا كان الرئيس فى عز المصيبة تعامل بهذا القدر من المسئولية فيجب بالتالى على كافة مؤسسات الدولة التحلى بنفس القدر من المسئولية، وهنا أخص التليفزيون الرسمى الذى أعلن حالة حداد لمدة ثلاثة أيام، وقطع جميع برامجه وجعلها قاصرة على البرامج الدينية وآيات القرآن الكريم والأغانى الدينية.
وبصراحة شديدة لا أرى أن رئيسة التليفزيون محقة فى هذا التصرف، وإذا كانت الفضائيات الخاصة المصرية قد اتخذت هذا القرار فهى حرة لأنها خاصة ومن حق ملاكها أن يفعلوا ما يرون لأن المثل يقول "من حكم فى ماله ما ظلم"، لكن التليفزيون الرسمى مملوك للشعب، ولا يجوز إعلان حالة الحداد فيه بقرار من رئيسة التليفزيون، لأن حالة الحداد الرسمى فى الدولة من أعمال السيادة التى يختص بها الرئيس أو مجلس الوزراء، وهى لا تعلن إلا فى حالات نادرة مثل وفاة رئيس أو رحيل زعيم سياسى كما حدث مثلا حين رحل الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وأعلن الحداد الرسمى فى الدولة لمدة ثلاثة أيام.
صحيح أن المصريين جميعا هزهم خبر رحيل محمد علاء مبارك وتعاطفوا مع رئيسهم، وشعروا بالحزن الشديد، ودعونا جميعا للفقيد وأسرته، لكن مصر يا سادة دولة جمهورية حسب الدستور، لا يعلن فيها الحداد على وفاة أى من أفراد أسرة الرئيس، لأنهم مواطنون عاديون، وليس لهم أى صفة رسمية فى الدولة، ومصر لمن لا يعرف ليست ملكية أو إمارة يعلن فيها الحداد عند وفاة أى من أفراد الأسرة الحاكمة، وأسرة الرئيس بالتالى هى أسرة عادية جدا يسرى عليها ما ينطبق على الأسر المصرية كافة.
أتفهم أن يتابع التيفزيون الحدث، ويجرى تعديلا على برامجه بإلغاء برامج المنوعات والغناء ليكون التليفزيون معبرا عن الحالة المزاجية للناس، لكن بشرط ألا يصل الأمر إلى ما يشبه الحداد الرسمى الكامل لأن الانطباع الذى يخلقه مثل هذا التصرف خطير جدا، ولا أعتقد أن الرئيس يقبله، لأنه ضرب بنفسه مثالين الأول باقتصار العزاء على تشييع الجنازة، والثانى بمناشدة الناس عدم نشر مشاطرات فى الصحف، لكن يبدو أن رغبة البعض فى المجاملة أعمتهم عن فهم الرسائل الرئاسية فى هذا الموقف العصيب.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة