خلال الأيام الأخيرة نشطت عدة جماعات حقوقية ضد ما تسميه التمييز الديني في مصر بدء من التعليم وصولا إلى التمييز في تولى الوظائف العامة والمناصب القيادية في الدولة، وقد توقفت طويلا أمام دعوة انطلقت مؤخرا تطالب بإلغاء تدريس الدين الإسلامي في المدارس أو تدريس الدين المسيحي أيضا، كما نشرت العديد من الإحصاءات التى يدلل أصحابها على وجود تمييز مثل عدم وجود رئيس جامعة مسيحي في مصر على سبيل المثال.
والحقيقة ان بقاء هذه القضية مفتوحة ومتداولة من شأنه استمرار حالة الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين في هذا الوطن مفتوحة على مصراعيها، ومن ثم تنامى الإحساس بالتمييز مما يفتح الباب لتدخل قوى خارجية للعب في النسيج الوطنى وتدميره، مما يستدعى التوقف أمام عدة ملاحظات أساسية منها:
أولا: حل هذه القضية يحتاج منا إلى الإعتراف بوجود حالات تمييز بسبب الدين فى تقلد الوظائف العامة، لكن في نفس الوقت ينبغى التفريق بين التمييز الذى يمارسه الناس بشكل ذاتى، وبين عدم وجود قرار رسمي يمنع الناس من تقلد الوظائف العامة على أساس ديني.
ثانيا: الاعتراف بان التعليم في مصر هو أحد أهم المجالات التى ينشأ فيها التمييز الديني ومن ثم تنمو المشاعر المعادية لكل دين مخالف، مما يستدعى فعلا إقامة نظام تعليمي يقوم على التسامح ولا يرسخ التعصب الديني.
ثالثا: إن احتواء مناهج اللغة العربية على الكثير من الأيات القرانية والأحاديث النبوية دون أن يحتوى على أى أيات من الإنجيل هو أمر يخلق حالة من التمييز لأنه يدعو التلاميذ المسيحيين منذ الطفولة للتساؤل عن السبب فى إغفال الإنجيل والاهتمام بالقرأن فى اللغة العربية، بينما الإسلام نفسه يعترف بالأديان السابقة عليه.
رابعأ: الدول التى تعترف بالتعددية الدينية حلت قضية الدين فى المناهج الدراسية منذ زمن بتدريس مادة منذ الصف الأول الابتدائي عن الأديان، لا تغرق في تفاصيل العقيدة، وإنما تهتم بالأمور المتشابهة بين الأديان، بحيث تتحول إلى مادة ثقافية تعرف الأطفال بالأديان السماوية، وتنهى حالة الكراهية للأديان الأخرى، وللعلم فقط فإن المدارس الأجنبية في مصر تدرس مادة الأديان إلى جانب مناهج التربية الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية.
خامسا: يلعب الإعلام وخاصة الفضائيات دورا كبيرا في إشاعة ثقافة الكراهية بين الناس، وأخص بالذكر البرامج التى تبثها بعض القنوات السلفية والأصولية مسيحية أو إسلامية.. وهو ما يحتاج إلى ميثاق شرف إعلامي ينبذ التعصب والدعوة إلى الطائفية ويمنح القضاء سلطة توقيع الجزاءات التى قد تصل إلى وقف برنامج أو سحب ترخيص القنوات التليفزيونية التى تحرض على الفتنة والتمييز.
هذه خمس ملاحظات أساسية تبدأ بالاعتراف بوجود التمييز لكنها تتعامل معه بمنطق، ومن جذوره أي منذ التعليم في الصغر، فبداية القضاء على أي تعصب سواء من جانب المسلمين أو المسيحيين تقتضي منا نظرة شاملة تبدأ من التعليم الأساسي، وتربية أبناءنا على التسامح، وإعلاء قيم المواطنة، لا التعصب للدين.
أعرف جيدا أن الدين يمثل موضوعا حساسا عند كل أتباع الديانات بلا استثناء، لكننا في وطن يتعايش فيه الإسلام والمسيحية منذ زمن بعيد، وتؤكد الوقائع التاريخية العديدة، كما حدث في ثورة 1919، أن هذا الوطن بتقدم حينما تتوارى الطائفية، ويتخلف حين تطل برأسها فتفجر الصدام بيم المسلمين والمسيحيين.
وإذا كنا صادقين فعلا في حبنا لهذا الوطن، وفي انتمائنا إليه فإن قضيبة التمييز على أساس الدين هى واحدة من أهم القضايا التى تحتاج إلى وقفة جادة وحسم فوري، والكثير من التسامح، والبحث عن المشتركات التى جمعت بيننا ألاف السنين في هذه الأرض الطيبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة