عبد الله ظهرى يكتب:حالة عارضة!!

السبت، 02 مايو 2009 07:03 م
عبد الله ظهرى يكتب:حالة عارضة!!

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتابتنى فى الأيام الماضية حالة نفسية غريبة، فأنا أهلاوى الهوى، أشجع الأهلى منذ نعومة أظفارى، عشت مع الأهلى فترات المد والجذر بمشاعر متباينة، ذرفت دموعى الكروية مرة واحدة عندما أعلن محمود الخطيب نجم النادى الأهلى ومصر اعتزاله، وتصرفت بطريقة تفتقد تماماً للوقار عندما سجل أبو تريكة هدف الفوز فى مرمى الصفاقسى منذ أعوام.

ما يحدث معى أو يصدر عنى الآن لا يتوافق أبداً مع حالتى الكروية الراسخة، إنها المرة الأولى التى أتمنى فيها أن يخسر الأهلى بطولة لصالح فريق منافس، وصل هذا الشعور لحد لا يمكن السكوت عليه فى مباراة إنبى الأخيرة يا إلهى، مع ضربة البداية كنت أتمنى وأنتظر أن يسجل فيها المنافس فى مرمى الأهلى، وعندما حدث هذا شعرت بفرحة مكتومة لم تستطع ملامح وجهى التفاعل معها، شعرت بالضيق عندما سجل الأهلى فى مرمى منافسه، عشت لحظات عصيبة فى اللحظات الأخيرة للمباراة عندما كاد فريقى المفضل أن يسجل هدف الفوز، تنفست الصعداء والحكم يعلن صافرة النهاية، شعرت بالاستياء من تصرفات لاعبى الأهلى مع حكم المباراة وتعاطفت معه حتى وجهت له فى السر كلمات الشكر والتقدير.

بدأت أتطلع بشغف لإخفاقات الأهلى القادمة حتى يصعد منافسه على منصة التتويج. ماذا حدث؟ هل هاجمنى فيروس خطير أحدث خللاً فى خلايا عقلى وثنايا قلبى؟ هل أصبت بعمى ألوان جعلنى لا أميز بين الأحمر والأزرق؟ وإن كنت فقدت القدرة على التمييز بين الألوان، هل فقدت أذناى القدرة أيضاً على سماع وتفسير الحروف والكلمات؟ هل أصبت بحالة فقدان للذاكرة؟ هل تتعرض هويتى الكروية لغزو مفاجئ من طرف خارجى يرغب تحويل تلك الهوية إلى اتجاه آخر؟

بدأت أفكر بهدوء شديد حتى أجد تفسيراً لتلك الحالة الطارئة التى أتمنى أن تزول بسرعة حتى لا أخسر انتمائى الكروى الذى تشكل على مدار سنوات طويلة، وحتى لا أفقد فى لحظات مجنونة مشاعر وذكريات ومشاهدات حمراء زاهية. عدت للماضى البعيد فالعودة إلى الوراء قد تتيح تفسيرات لما يحدث الآن، وما قد يحدث فى المستقبل أيضاً. وعندما عدت اكتشفت أن هذه الأعراض لها جذور، فى الماضى البعيد، كنت أعيش لحظات عصيبة عندما يتعرض الأهلى للهزيمة أو يفقد بطولة ما، حتى أننى كنت أفقد قدرتى على النوم الهادئ وأتقلب فى فراشى وتتجسد فى حلمى صور الهزيمة أو الإخفاق، وعندما أستيقظ أجد نفسى مستغرقاً فى أحلام اليقظة أسترجع اللحظات التى كاد فريقى أن يسجل فيها هدفاً أو يمنع وصول هدف فى شباكه، وأتمنى لو كان سجل أو منع.

بدأ التغيير عندما بدأت أعيش حياة عملية مليئة بالعمل والطموح والانشغال بالمستقبل، بدأت أشاهد فريقى المفضل وأشجعه بهدوء شديد، أشعر بالسعادة عندما يفوز، ولكن أبداً لا أشعر بالتعاسة عندما يتجرع مرارة الهزيمة، سرعان ما أنشغل بعملى وحلمى وتتلاشى من مخيلتى بسرعة صور الهزيمة والانكسار. إذن وصلت لنقطة البداية الصحيحة فى تشخيص الحالة التى أعانيها الآن، انخفضت حدة عصبيتى للكرة ولفريقى المفضل عندما أدركت أن هناك ما يتطلب أن أسحب طاقتى الذهنية والنفسية الزائدة عن الحد لأوجهها نحو احتياجاتى واهتماماتى الشخصية، الآن، شعرت أننى أصبحت مؤهلاً للتفكير بشكل صحيح وموضوعى فى شئون الكرة وغيرها. استقرت نفسى على هذه الحالة سنوات طويلة، أهتم دائماً بمتابعة وتشجيع فريقى المفضل، ولكن باستعداد نفسى لكل الاحتمالات. الجديد الآن أن هناك حالة نفسية وذهنية تعترينى تتعدى تلك النقطة وتهدد بشكل واضح الافتراضات الأساسية لميولى الكروية. ما الذى حدث ولماذا حدث؟ بدأت أرتب أفكارى للإجابة على هذا السؤال. وجدت أن هناك عوامل عدة ساهمت فى تفاقم الحالة ووصولها إلى ما هى عليه الآن، أولاً إحساسى كمشجع أهلاوى بالإشباع والتشبع من البطولات، يبدو أننى خضعت لتأثير قاعدة اقتصادية تسمى " تناقص المنفعة الحدية " والتى تعنى أنه إذا قام شخص ما باستهلاك وحدات متماثلة من سلعة معينة فإن المنفعة الحدية تتزايد أولاً ثم تتناقص بعد حد معين، وهذا معناه أننا عندما نستهلك عدة وحدات من منتج معين ( شعورنا بالسعادة لانتصار فريقنا المفضل) نصل إلى درجة الإشباع، حتى أننا بعد عدد معين نشعر أننا لا نحصل على أو نستشعر الفائدة (السعادة والفرحة) التى كنا نحصل عليها من قبل، ومن ثم يبدو أن هناك شعوراً نما بداخلى كمشجع أهلاوى يدفعنى إلى التوقف (أو المطالبة بالتوقف) عن تذوق حلاوة الانتصار لفترة مؤقتة، حتى أعود من جديد وأنا أكثر رغبة فى الاستمتاع بانتصارات فريقى المفضل. العامل الثانى يتعلق بقيمة المنافسة الشريفة فى حياتنا، فالمنافسة تخلق روحاً جديدة وتشحذ الهمم وتدفع الناس إلى تقديم أفضل ما لديهم، بالفعل فقد فريقى هذه القيمة عندما تخلى عنها الآخرون ورضوا بالقليل، على الرغم من أن لديهم الكثير والكثير، إذا لم يعد فريق الإسماعيلى وغيره من الفرق للمنافسة بقوة فلن يسعى فريقى المفضل لشحذ وتجديد همته وإمكاناته ليعود متوهجاً كما كان، ليس هذا فقط، فقد جعلتنى المنافسة أعيش لحظات إثارة كروية حقيقية ممتدة حتى نقطة النهاية فى البطولة، وعلى الرغم من أن اللحظات الكروية المثيرة حق مكتسب لى كمشجع، إلا أن هذا الحق يسلب منى فى كثير من الأحيان بفعل أداء روتينى ممل لفريقى وكل الفرق الأخرى. العامل الثالث يتعلق برغبتى فى أن يتفادى فريقى المفضل السقوط فى براثن الغرور، والذى قد نلحظ مقدماته فى تصريحات مدرب أو تصرف لاعب أو رد فعل جمهور أو توجيهات إعلامى غير محايد، بالفعل عندما يتحقق النجاح المبهر لفرد أو جماعة يصبح التحدى الأكبر هو كيفية حماية النجاح من أصحابه. العامل الرابع هو يقينى بأن هناك أخطاء إدارية وفنية تمت عن غير قصد يجب تصحيحها وتداركها للعودة مجدداً إلى الانتصارات المستحقة، الشعور بالخطأ والرغبة الجادة فى تداركه سيصلان إلى أعلى معدلاتهما عندما يفقد فريقى المفضل بطولة. العامل الخامس هو رغبتى فى مشاهدة لحظات سعادة الآخر، فهو يعيش معى فى عالمى ولديه حقوق مشروعة فى السعادة والانتصار، وعندما وضعت نفسى فى موقع مشجع الفريق الأصفر وجدتنى أشعر بالسعادة لتعثر المنافس وبالفرحة الطاغية لانتصار فريقى المفضل. الآن فقط شعرت بالارتياح، شعرت أن هويتى الكروية غير مهددة، لست مريضاً، لست فاقداً للذاكرة، إنها فقط حالة عارضة لها مبرراتها سرعان ما تزول لأعود مجدداً أستمتع بانتصارات فريقى المفضل.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة