عبد الناصر عبد الرحيم يكتب: بين الكاتب والقارئ

الثلاثاء، 19 مايو 2009 10:42 ص
عبد الناصر عبد الرحيم يكتب: بين الكاتب والقارئ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنها إحدى الآفات الخطيرة التى تضيف للواقع الثقافى فى عموم الوطن، ومنذ زمن طويل إلى ضرب الثقافة العالمة وتحقيق زيادة ظاهرية للثقافة الجاهلة ويمكن رصد ذلك فى الاكتفاء بقراءة العناوين فقط، وهنا نتحدث عن العلاقة بين الكاتب والقارئ بالتحديد على الرغم من تفشى تلك الآفة فى كل مجالات التلقى وبينها الموسيقى البحتة، الأغنية، المسرح، السينما، الفن التشكيلى... إلخ.

وترديد بعض المصطلحات بشكل ببغائى دون أدنى تقدير للجهد المبذول من جانب منتج النص، ودون أدنى إدراك للحمولات الجمالية الموجودة فى النص. وهكذا تنمو علاقة فاسدة بين المنتج (الكاتب/الفنان) وبين المستهلك (القارئ/المتلقى) وذلك على الرغم من تفاؤل المنتج بوجود منتج آخر لعمله يتمثل فى متلقٍ يدرك - جيدا أن له دوره فى إطار علاقته بالإنتاج المطروح. وهكذا تتدخل الثقافة السماعية فتخلق ظروفاً فاسدة، إلى أبعد الحدود، يختلط فيها الأبيض بالأسود فتتسع دائرة الخلل، فيخبو الوهج الناتج عن الإبداع ليحل محله استخفاف لا علاقة له بالجوهر لكنه يقود إلى حديث مبتسر عن أزمة الإبداع فى القصة والرواية والنقد والمسرح والسينما... إلخ.

وهذا بدوره يقود إلى (تنصل القارئ/المتلقى) عن المشاركة فى تحمل المسئولية، ولو جزئيا بشأن تلك (الأزمة)، سواء كان ذلك فيما يتعلق بنشوء الأزمة، واستفحالها، أو تجاوزها. إنه المتلقى المتفرج - دون انتباه كامل - على الأزمة، إنه المتلقى المكتفى فقط بدور المستهلك، إنه المتلقى المتعثر بشكل جنائزى، على الماضى، دون إدراك حقيقى ومعقول لما فى ذلك الماضى من سلبيات وإيجابيات.

وهو المتلقى الذى يقرأ شعر نزار قبانى دون أى تقليل من قدره كشاعر استفاد بذكاء مدروس من الظروف السائدة فكون لشعره جمهوراً فى دقائق معدودة، ثم يتجشأ وينسى الذى قرأه ويمضى فى ممارسة حياته بشكل عادى.. وهو المتلقى الذى جعل سعد الصغير يوزع أكثر من مليون شريط كاسيت فى وقت لم توزع فيه روايات للأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ أكثر من آلاف معدودة.. وهو المتلقى الذى يصاب بملل غرب من أغانى فيروز، لكنه يكرث وقتا طويلا لأغانى هيفاء وهبى ونانسى عجرم ومن لف لفهما.. وهو نفس المتلقى الذى يهجم على صفحات الرياضة، والجريمة والاجتماعيات فى الصحف اليومية قبل شئون السياسة والاقتصاد والثقافة.. وهو نفس المتلقى الذى يتلهف لقراءة أبواب "الحظ" فى الصحف والمجلات وهو يردد فى سره وربما باقتناع كامل (كذب المنجمون ولو صدقوا) ورغم كل ذلك فإن ذلك المتلقى (المستهلك) لا يعتبر نفسه مسئولا - بأى شكل من الأشكال - عن الأزمة.
إنه فقط يتفرج بعيدا عن المداخلة الفاعلة ويكتفى بما يرتاح إليه، ويحدد ذلك الارتياح كما يشاء.

إن ذلك المتلقى هو أخطر منتج (للميلو دراما) تحت سماء الوطن فى ظل المعايير الأنيمية المسيطرة عليه وهو فى نفس الوقت يخاف من القصيدة التى لا تخاطب غرائزه، بل تفتح أمامه بوابات الرعب المسمى باسم الشعر وهو يلقى من السطور الأولى القصة التى تقوده إلى متاهة التحديق العميق فى الزمان والمكان والحدث والشخصية، إنه يهرب من قدرة اللغة الكاشفة التى تربط بين الإبداع والحياة، ولحظة التاريخ المنتجة للإبداع نفسه.. إنه - بالتحديد الأكثر دقة - يتعامل مع الإبداع بعشوائية تؤجل دون شك كل جهد للانطلاق، ثم يطالب الكاتب (المبدع) بـ (النزول) إليه على مستويات اللغة والموضوع، والشكل الفنى والقيم الجمالية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة