"البنوك دفنت أحلامى" هكذا بدأ أحمد طاهر (30 سنة) ويعمل بالقطاع الحكومى حديثه وهو يروى قصته مع أحد البنوك للحصول على قرض لإنشاء مشروع صغير لضبط إطارات السيارات، وقال عندما سمعت تصريحات عدد من المسئولين عن ضرورة التحرر من الوظيفة الحكومية والاتجاه إلى العمل الحر، قررت منذ عامين الدخول فى مشروع إصلاح إطارات السيارات، واستطرد أحمد قائلا: قمت بإعداد كافة الدراسات المتعلقة للمشروع لم أجد أى استجابة من أى بنك لمنحى قرض بقيمة 50 ألف جنيه لشراء المعدات الخاصة بالمشروع، فقررت الاستمرار فى وظيفتى، خوفا من فقدها وضاع حلم عمرى.
قصة أحمد أثارت الكثير من التساؤلات حول مدى جدية النداءات الحكومية بضرورة دعم وتسهيل تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فى الوقت الذى أكد فيه عدد من الخبراء عزوف البنوك عن تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، نظرا لارتفاع درجة المخاطر به.
وأشار الخبراء إلى وجود العديد من المشاكل التى واجهت عمليات تمويل تلك المشروعات فى الماضى، وقام البنك المركزى بمحاولة إزالتها لتمويل تلك المشروعات فى الوقت الحالى، وأن ما قام به البنك المركزى مؤخرا بإعفاء المحفظة المخصصة فى البنوك لتمويل تلك المشروعات من الاحتياطى القانونى والبالغ 14% هو قرار إيجابى، ولكنه غير كافي، مشددين على ضرورة وجود مميزات أخرى حتى تكون حافزا قويا لإقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
محمود منتصر عضو مجلس إدارة البنك الأهلى ومدير عام الائتمان نفى إحجام البنوك عن تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأن لديها سيولة كبيرة وليس من مصلحتها ادخار تلك النقود، بل توجيهها فى مشروعات، كما أن البنوك تسعى لتلك الشريحة من المجتمع لتوزيع حجم المخاطر على عدد كبير من العملاء، لافتا إلى وجود بعض العملاء الذين يقدمون بيانات وأوراق غير مقبولة من الناحية البنكية أو القانونية.
وأكد منتصر أن البنك الأهلى له دور كبير فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال وضع خطة لزيادة حصته السوقية والتوسع فى المشاريع الصغيرة والمتوسطة خلال العام الجارى، ولفت إلى قيام البنك بمنح قروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بقيمة 1.54 مليار جنيه، وتوقيع 4 عقود مع الصندوق الاجتماعى للتنمية بقيمة 365 مليون جنيه، وإنشاء مراكز فى كافة محافظات مصر لتمويل تلك المشروعات.
فيما أكد الخبير المصرفى أحمد آدم مدير إدارة البحوث ببنك أبو ظبى الإسلامى السابق، أن تعامل البنوك بحذر مع تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر يأتى نظرا لوجود عوائق كثيرة تواجه هذه النوعية من المشروعات تتمثل فى هياكلها المالية وافتقارها لوجود خبرات فى قطاع التسويق والإنتاج، وقال آدم إن البنوك تعانى من عدم وجود أية فرص للاستثمار من الأساس، بما يؤكد أن مصلحتها إذا توافر لها عميل جيد أن تتسابق عليه فى ظل حالة الركود، لافتا إلى أن البنوك الآن لا تتعامل مع أى عملاء جدد، خوفا الدخول فى أزمة تعثر جديدة أقوى من أزمة التعثر التى ضربت السوق المصرفية قبل 7سنوات.
وأكد آدم أن تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة يحتاج إلى استعلام ومتابعة جيدة، مما يتطلب وجود موظفين أكثر، الأمر الذى يؤكد ارتفاع التكلفة للبنك فيفضل إقراض المشروعات الكبيرة، وقال إنه رغم أن قرارات "لمركزى" الأخيرة بإعفاء المحفظة المخصصة فى البنوك لتمويل تلك المشروعات من الاحتياطى القانونى والبالغ 14%، إلا أنه ليس كافيا ويجب البحث عن أدوات أخرى جديدة من شأنها تشجيع حركة الائتمان الموجه للمشروعات الصغير والمتوسطة.
وأضاف أنه مع انسحاب عدد كبير من الاستثمارات المباشرة أصبح ضروريا دخول البنوك فى مشروعات أخرى، لافتا إلى أن البنك المركزى سمح بأن تكون مساهمة البنوك فى المشروعات بنسبة 40% ولابد أن تكون تصل تلك النسبة إلى 100%، خاصة أن البنوك الإسلامية أهم استخداماتها البيع الأجل وإنشاء المصانع، وتنظيم معرض للبيع، لافتا إلى أن توسع البنوك التجارية فى الدخول فى تلك الاستثمارات سيساعد على الحد من فجوة البطالة، بدلا من استثمارها ما يعادل 350 مليار جنيه فى أذون خزانه حكومية.
أما الخبير المصرفى أحمد قورة الرئيس السابق للبنك الوطنى المصرى، فقال إن هذه المشروعات تعتبر عالية المخاطر واسترداد قروضها صعب لذلك تحجم البنوك حتى لا تتعرض محافظة للتعثر، لافتا إلى أن النظام فى مصر سواء الأمنى أو المصرفى لا يشجع هذا النوع من التمويل، ولا أحد يساند البنوك فى حالة تعثرها حتى البنك المركزى.
وقال قورة إن إقبال عدد من الدول الأخرى على تمويل تلك المشروعات كان لوجود شفافية فى التعامل بها، بخلاف العملاء المصريين والذين يتصفون بالمراوغة، وتقديم البيانات المضروبة، مشيرا إلى تصريحات عدد من المسئولين حول أهمية تمويل تلك المشروعات لا تعد إلا فرقعة إعلامية، وأنه فى حالة تعثر البنوك فإن المركزى "مش هيدفع من جيبه"، وأكد قورة أن فكرة التوسع فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة كانت طرحت منذ عام 65 أثناء عمله بالبنك الأهلى، وتم رصد مبالغ مالية وضخها فى مدينة دمياط، على اعتبار أنها مدينة صناعية ولكنها فشلت وتعثر اغلب العملاء، كما أن الصندوق الاجتماعى فشل هو الأخر فى تمويل المشروعات فاتجه إلى البنوك للإقراض عن طريقها، موضحا أنه قد وقع بروتكولا مع الصندوق الاجتماعى وهو فى منصبة لتقديم التمويل إلى عدد من العملاء بقيمة 30 مليون جنيه ضاعوا وتم سدادهم من أرباح البنك.
وقال قورة إن فكرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة سياسية، لافتا إلى ضرورة إنشاء شركة لتأمين السداد لتلك المشروعات كنوع لتحفيز البنوك، والاقتضاء بالعديد من الدول التى تقبل على هذا النوع من الإقراض.
معلومة:
56٪ نسبة المشروعات الصغيرة التى يتم تمويلها ذاتيا فى مصر، وفقا لدراسة صادرة عن البنك الدولى.
خبراء يرونها عالية المخاطر وآخرون يؤكدون أهميتها للحد من البطالة
المشروعات الصغيرة.. كثيرمن الكلام قليل من التمويل
الثلاثاء، 19 مايو 2009 02:14 م