محمد حمدى

لم نعد نهضم "الظلط"!

الإثنين، 18 مايو 2009 12:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المصرى معدته تهضم الظلط، مأثور شعبى عاش معنا طويلاً، منذ السبعينيات، حينما بدأ رجل الأعمال توفيق عبد الحى فى استيراد آلاف الأطنان من الدواجن الفاسدة والطيور الجارحة، مراهناً على المعدة الحديد التى تهضم كل شىء ولا تتأثر بأى شىء، لكن هذه المعدة أنهكها المرض، ولم تعد قادرة على هضم أى شىء.

حاولت معرفة الخريطة الصحية للمصريين، وكيف أصبحوا بعد سنوات من الفراخ الفاسدة والقمح الفاسد والمبيدات المسرطنة وغيرها كثير مما دخل بطوننا طوال أكثر من ثلاثين عاماً فوجدت أرقاما مفزعة:
10% من المصريين مصابون بالسكر و20% بفيروس سى و30% بأمراض ضغط الدم و59% ترعى بداخلهم البلهارسيا و25% بدوالى الساقين وخمسة ملايين مصرى يعانون من فشل كلوى و5% مصابون بأمراض القلب، ناهيك عن الأورام المختلفة التى بدأت تنتشر مثل النار فى الهشيم، أما عن الأمراض النفسية فحدث ولا حرج.

باختصار شديد، لم تعد معدة المصريين تهضم أى شىء، هذا إذا كانت المعدة لا تزال موجودة من الأساس، لدرجة أنه يمكن لأى محطة فضائية عمل برنامج خاص تمنح فيه جائزة قدرها عدة ملايين من الجنيهات يحصل عليها أى مواطن غير مصاب بأمراض، وأشك كثيراً فى أنها ستعثر على هذا المواطن فى مصر.

ويبدو أن السادة الوزراء والمسئولين الحكوميين قد أدركوا هذه الحقيقة فلم يعد مهماً لديهم، تطبيق الشروط الصحية على الشحنات الغذائية الواردة للبلاد، وهذا ما حدث بالضبط فى شحنة القمح الروسى التى أثارت جدلاً كبيراً خلال الأيام الماضية.

فقد فاجأتنا الصحافة ببيانات مذهلة وتضارب بين الجهات الحكومية غير مسبوق، فوزارة تقول إن القمح صالح للاستخدام الآدمى، وأخرى تقول إنه ممتلئ بالحشرات الميتة والمواد السامة، وثالثة تقول إن المواد السامة فى حدود المسموح، وكأن الأمر خاضع للاجتهاد والاختلاف، أو كأنها قضية رأى يجوز فيها لكل وزارة أن تجتهد فى إطار الرأى والرأى الأخر!.

شحنة القمح الروسى لا تتعلق فقط بقلة ضمير مستورد، وإنما بحالة فساد عامة تستشرى فى أجهزة حكومية، يفترض بها أن تحافظ على صحة المواطن فإذا بها تتأمر عليه، ومع ذلك لم يصدر عن الحكومة بيان للرأى العام تقول فيه الحقيقة سواء بتحمل المسئولية أو التنصل منها، أو حتى تهدئة الناس الذين من حقهم أن يعرفوا هل تحول رغيف الخبز إلى سم زعاف؟

بصراحة شديدة، نحن أمام قضية فى منتهى الخطورة، ولو حدثت فى مكان آخر فى العالم، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولرأينا رؤوساً كبيرة تتساقط، ومسئولون يستقيلون، ومحاكمات سريعة للمتورطين، لكن لأن حكومتنا الرشيدة لا تزال تعتقد أننا نهضم الزلط فقد تعاملت مع الموضوع بعدم اهتمام، وهو التعبير المهذب لكلمة "لا مبالاة"، وربما لأنه لا يوجد مسئول واحد فى هذا البلد يأكل من الخبز المدعم الذى نأكله، وإنما يأكلون الخبز الفرنسى المصنوع من دقيق أمريكى فاخر يتم استيراده خصيصاً للسادة المسئولين ورجال الأعمال المستعدين لشراء رغيف خبز بعدة جنيهات.

أنا واحد من الناس الذين ملأهم التفاؤل، حين شكل الدكتور أحمد نظيف حكومته الأولى، وكنت أرى أنه ومن معه من غير محترفى السياسة، سيقدمون نموذجاً جديداً فى بلد أتعبه سياسيوه إلى حد المرض، لكن هذا التفاؤل سرعان ما زال، واتضح أن حكوماتنا على الدرب سائرة، وعلى مصلحتها محافظة، وعن الشعب غافلة، ولا يوجد أى فرق بين وزير زراعة مثل يوسف والى استوردنا فى عهده المبيدات المسرطنة، ووزير زراعة آخر هو أمين أباظة استوردنا فى عهده الدقيق المعجون بالحشرات الميتة والمواد شديدة السمية والخطورة.

وأخشى أنه إذا استمر نفس الأداء الحكومى، فلن يكون هناك شعب تحكمه، لأنه وفقاً للخريطة الصحية الحالية، قد يتحدث العالم بعد عشرة أو عشرين عاماً عن بلد اسمه مصر مات كل شعبه، بسبب المراض والتلوث وفساد الضمير، ولم يعد به سوى حكومة وبعض رجال الأعمال وأموال مكدسة فى حسابات شخصية لا يعرف أصحابها كيف يستثمرونها فى بلد أصبح بلا شعب.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة