أربك الدور الإقليمى التركى المتنامى فى المنطقة إسرائيل وزاد من قلقها لما له من أبعاد تتعلق بمستقبل أمن واستقرار إسرائيل، خاصة بعد الإعلان التركى- السورى عن المناورات البرية المشتركة لجيشى البلدين فى المنطقة الممتدة من (بوكسيل تبه) فى محافظة كيلس التركية إلى منطقة سامارين عزيز السورية، وهى منطقة حدودية شهدت عمليات عسكرية لمتمردين أكراد ضد القوات التركية. وقد عبر وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك عن القلق الإسرائيلى من هذه المناورات التى وصفها المسئولون السوريون بأنها تحمل أكثر من رسالة سياسية وعسكرية. وما يزيد من القلق الإسرائيلى أن المناورة العسكرية البرية المشتركة بين الجيشين التركى والسورى تزامنت مع تصريحات حول زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون إلى لبنان فى مؤشر واضح على دعم الإدارة الأمريكية للجهود التركية فى المنطقة.
هذا إضافة إلى الدور البارز لتركيا فى تحسين العلاقات الأمريكية- السورية والتى بدأت مرحلة جديدة قبل خمسة أيام من تولى باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حين صرح لشبكة (سى.بى.إس) أنه ينوى العمل من اليوم الأول للتحاور مع إيران وسوريا، جاء ذلك متزامنا مع إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى جلسة الاستماع بالكونجرس لاعتمادها فى منصبها الجديد أن الإدارة الأمريكية ستتجه سريعا للحوار مع إيران وسوريا.
وهذا الدور التركى الواضح أدى إلى الاندفاع الأمريكى نحو توطيد العلاقات مع سوريا الذى شهد قيام عدد من كبار المسئولين الأمريكان بزيارات إلى دمشق بدأها الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، ثم تبعه وفد من الكونجرس الأمريكى برئاسة (جون كيرى) رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والمرشح الديمقراطى لانتخابات الرئاسة الأمريكية – 2004، وهو من المقربين للرئيس باراك أوباما.
وقد عولت تركيا على هذا الدور المتزايد خاصة بعد نجاحها فى إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بأن الدور الإقليمى التركى هو البوابة الصحيحة لضبط أمن واستقرار المنطقة، وقد استثمرت تركيا القبول الأمريكى والإقرار بالدور التركى الإقليمى فى الإعلان عن سياستها الجديدة (نظرية العمق الاستراتيجى والسياسة المتعددة الأبعاد)، التى يقودها وزير الخارجية التركى الجديد أحمد داود أوغلو عراب الوساطة فى المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، والمعول عليه كثيرا فى تعزيز دور تركيا فى المنطقة العربية والإقليم، استنادا إلى معطيات المرحلة الجديدة فى تركيا، حيث نجح حزب العدالة والتنمية فى إقناع العسكر بأن تحركات تركيا نحو العرب والمسلمين تخدم المصالح التركية وليس لها علاقة للإضرار بالعلمانية.
إن هذا التوافق بين العسكر وسياسة الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية هيأ المناخ الأفضل للرئيس باراك أوباما كى يجعل تركيا محطة لأولى زياراته الخارجية، وقد سبق الزيارة فى أول اتصال هاتفى أجراه مع رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، حيث أكد دور تركيا الواسع فى العراق، وأقر له بدور تركيا الإقليمى المتعاظم، كما كانت تركيا لكل ما تقدم المحطة الأولى لزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، وزيارة المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط جورج ميتشل، وجميعهم أقروا لتركيا بدورها الجديد الذى بدأه حزب العدالة والتنمية منذ توليه السلطة عام 2002 بالتوجه نحو العرب والمسلمين دون التخلى عن الطموح التركى نحو الغرب.
ولمجمل هذه الوقائع بالإضافة إلى الموقف التركى الداعم للقضايا العربية والإسلامية وتحديدا الموقف الواضح من إدانة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، فقد بدأت وزارة الخارجية الإسرائيلية بإجراء دراسات حول تحول الموقف التركى وأبعاده، وتأثيراته على إسرائيل، كما بدأ جهاز الموساد الاستخبارى الخارجى لإسرائيل بإجراء تقييم موقف بكل تطور فى السياسة التركية، وكانت إسرائيل قد أخذت فى الحسبان نتائج وأبعاد اتفاق التعاون الفنى العسكرى فى مجال الصناعات الدفاعية وتبادل المعلومات الفنية والعلمية بين تركيا وسوريا، ورصدت نتائج زيارة وزير الدفاع السورى العماد حسن تركمانى إلى أنقرة وتجواله فى أجنحة معرض الصناعات العسكرية الدولى التاسع (إيديف – 2009) فى استانبول.
إن المناورة العسكرية التركية – السورية هى تدشين لمرحلة جديدة لدور تركى إقليمى فى المنطقة، لن يكون بمقدور إسرائيل تجاهل الدعم الأمريكى والعربى والدولى له، وهى دليل على تجاوز سوريا لمرحلة الحصار والعزلة، وتعاظم دورها بدعم تركى وعربى وأمريكى لإنجاح الحل السلمى على جبهتى الجولان والأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. لذلك هذا الدور التركى البارز على الساحة الدولية وسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة التحاورية هى بمثابة ضغط على حكومة نتنياهو لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالا تجاه عملية السلام، مما يؤرق إسرائيل بأن تقدم تنازلات قد تؤثر على أمنها واستقرارها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة