اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية بالزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وتنوعت التحليلات حول موقف الإدارة الجديدة من الاتجاه الجديد فى تل أبيب الذى يريد من واشنطن أن تهتم بـ "التهديد الإيرانى" بدلاً من التركيز على السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
مجلة فورين أفيرز الناطقة بلسان مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، نشرت مقالاً تحليلياً كتبه ليون هادار باحث بدراسات السياسة الخارجية بمعهد كاتو عن هذا الزيارة، طالب فيه أوباما بضرورة عدم الرضوخ للمطالب الإسرائيلية، ورفض فكرة أن الطريق إلى القدس يمر عبر طهران، ومحذراً من وقوع أوباما فى خطأ سابقه جورج دبليو بوش الذى ظن أن الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد، فى إشارة إلى غزو العراق.
يقول هادار، فى الوقت الذى يستعد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو للاجتماع بالرئيس الأمريكى باراك أوباما فى واشنطن غداً الاثنين، فإن صناع القرار فى الولايات المتحدة تم حثهم على وضع قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى جانباً وبذل جهدهم فى مواجهة الخطر الحقيقى الذى يفترض أنه يهدد العرب واليهود فى الشرق الأوسط وهو إيران. وهناك مؤشرات توحى بأن التعامل مع هذا التهديد وقضية السلام فى الأراضى المقدسة سوف تتداخل.
وكان نيتانياهو قد وضع إطاراً للقضية فى الخطاب الذى ألقاه فى واشنطن بداية الشهر الجارى أمام مؤيدى لجنة العلاقات الأمريكية اليهودية (إيباك)، حيث قال "هناك شىء ما يحدث اليوم فى الشرق الأوسط، وأستطيع القول لأول مرة فى حياتى، إننى أعتقد أن العرب واليهود يرون الخطر المشترك"، وأضاف "لم يكن الحال هكذا دائماً".
أم كان الأمر كذلك؟ فى حقيقة الأمر، فى فترات كثيرة أقنع اللاعبون الأساسيون فى واشنطن وتل أبيب أنفسهم بأن التركيز على طرف ثالث سيجعل السلام الفلسطينى الإسرائيلى ممكناً. فخلال حرب عام 1948، قدم الاتحاد السوفيتى دعماً عسكريا ودبلوماسيا للدولة اليهودية الجديدة. وأيد كثير من الإسرائيليين، الذين رددوا الدعاية السوفيتية، فكرة أن هزيمة القوى الإمبريالية فى الشرق الأوسط وانهيار أذناب الفساد فى العالم العربى بما فى ذلك فلسطين، ستساعد فى بدء عصر جديد من التعاون التدريجى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهذا لم يحدث.
وطوال الحرب الباردة، قالت واشنطن إن الدعم السوفيتى للمتشددين العرب هو الذى أدى إلى الصراع العربى الإسرائيلى. وبحسب هذه النظرية، فإن القومية الفلسطينية كانت مجرد حركة ماركسية متشددة أخرى تديرها موسكو. وبالنظر إلى الصراع العربى الإسرائيلى باعتباره جزءاً صغيراً من الصراع السوفيتى الأمريكى الأكبر، فإن واشنطن تعاملت مع الاحتلال الإسرائيلى للضفة الغربية بإهمال، وأعطت تل أبيب الضوء الأصفر لغزو لبنان عام 1982 مما أدى إلى عواقب كارثية فى الحالتين.
واعتبرت إدارة جورج بوش غزوها للعراق أمراً بديلاً للاستراتيجية الدبلوماسية لتحقيق السلام الفلسطينى الإسرائيلى، لكن فكرة أن الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد، والتى نتج عنها تحول العراق إلى ديمقراطية ليبرالية موالية لأمريكا وتعزيز أجندة الحرية فى الشرق الأوسط سيجبر القوى الإقليمية على دعم السلام مع إسرائيل، ثبت أنها مجرد وهم.
وبدلاً من تقوية الكتلة الموالية لأمريكا فى الشرق الأوسط وإضعاف قوى الإسلام السياسى الراديكالية والتعجيل بعملية السلام، فإن سياسات إدرة بوش ساعدت على جعل توازن القوى فى المنطقة فى صالح إيران ومن يدور فى فلكها، ومن ثم تقوية شوكة القوى المناهضة لأمريكا وتل أبيب فى لبنان وفلسطين، وخلق حالة من العنف وفقدان الثقة فى الأراضى المقدسة.
والآن، فإن الرسالة التى تأتى من إسرائيل وبعض مؤيديها فى الولايات المتحدة هى أن الطريق إلى القدس يجب أن يمر عبر طهران. ويرى نيتانياهو أنه منذ أن أصبحت إيران معادية بشكل دائم لوجود إسرائيل وتدعم حزب الله فى جنوب لبنان وحماس فى غزة، فإن السبيل الوحيد لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو منع إيران من امتلاك السلاح النووى.
ومنذ أن بدأت الدول العربية الرئيسية مثل مصر والأردن والعربية تشعر بالقلق من صعود قوة إيران، فإن واشنطن قد تكون قادرة على تشكيل توافق فى الآراء الإقليمية الهادفة إلى احتواء إيران، وربما حتى إقناع شركائها فى أن يصبحوا أكثر فعالية فى حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
وكما كتب مؤخراً إليوت أبرامز، الذى كان نائباً لمستشار الأمن القومى الأمريكى فى ظل إدارة بوش فى صحيفة وول ستريت جورنال: "هناك صراع حاسم يجرى الآن فى الشرق الأوسط، لكنه ليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنه بين الدول التى تؤيدنا والتى تضم مصر والسعودية والأراضى الفلسطينية وإسرائيل والسعودية والإمارات ضد إيران وقطر وسوريا وحزب الله والمنظمات الفلسطينية. وهذا ما سيقوله نيتانياهو للرئيس الأمريكى، لكن لا أحد يعلم إذا كان أوباما سيتقبل هذا، على الأقل حتى يتشاور مع قادة هذه الدول العربية ويسمع نفس الشىء".
والحقيقة أن بعض حكومات الدول السنية العربية تشعر بالقلق من النفوذ المتزايد لإيران وشركائها الشيعة فى المنطقة، وتتخوف من احتمال حدوث انفراجة دبلوماسية بين واشنطن وطهران يضعف من وضعها الراهن فى التأثير على السياسة الأمريكية، غير أن حقيقة أنهم يشاركون الولايات المتحدة وإسرائيل مخاوفهم الاستراتيجية لن تؤدى إلى خلق تحالفات استراتيجية طويلة المدى.
وأى فكرة ترى أن القاهرة أو عمان أو الرياض ستذهب بعيداً وتوافق بل وربما تصفق لضربة أمريكية أو إسرائيلية ضد منشآت إيران العسكرية النووية مبنية على أساس تمنيات فقط. فالقادة العرب يشعرون بغضب شعوبهم منهم فى حال حدوث هذا، كما أنهم يدركون أيضا أن إيران ستكون فى موقف جيد يسمح لها بإطلاق عملائها ضد إسرائيل والولايات المتحدة وليس العكس.
ويبدو أن إدارة أوباما تتفهم هذا، وترجب بالتعاون مع طهران فى إرساء الاستقرار فى أفغانستان والعراق ولبنان مع استمرار المحادثات مع طهران بشأن البرنامج النووى، وهذا هو النهج المعقول الذى يجب تبنيه إلا أنه فى أفضل الأحوال من المرجح أن يبطئ من اتجاه إيران لتصنيع قنبلة نووية. لذا يجب عن الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً أن تبدأ فى التحضير "لليوم التالى" بوضع استراتيجية ردع نووى ضد طهران والعمل مع حلفائها فى أوروبا والشرق الأوسط لاحتواء التحدى الإيرانى.
قال كاتب المقال، إن على أوباما أن يعترف بأن التهديد الأساسى لوجود إسرائيل ليس إيران ولكن صراعها مع الفلسطينيين، وهو الصراع الذى سيظل عاملاً فى زيادة العداء لأمريكا وإسرائيل فى المنطقة. وفى المقابل، فإن حل الصراع يتطلب من الأطراف الإقليمية أن تتعامل مباشرة مع المشكلات الرئيسية، وهى احتلال الضفة الغربية وغزة والمستوطنات واللاجئين والعنف والقدس.
وانتهى الكاتب إلى أن واشنطن ليس بمقدورها أن تتوصل لاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنها تستطيع ويجب أن تساعدهم لتحقيق ذلك بأنفسهم.
مطالب لأوباما بعدم الرضوخ لنتانياهو
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة