هاجم عزت القمحاوى اليوم السبت فى جريدة "القدس العربى"، الشاعر السورى على أحمد سعيد أدونيس، متهماً إياه بأنه خَلِفَ نزار قبانى فى حمل راية مهاجمة العرب وإعلان "وفاتهم".
يأتى هجوم القمحاوى لأدونيس ضمن ردود الفعل الصاخبة التى أثارتها زيارة أدونيس الشهر الماضى إلى إقليم كردستان العراق، واستمرت تبعاتها حتى اليوم السبت.
لم تقتصر هذه الردود على التساؤل حول معنى الزيارة ومغزاها فقط، ولكن أدونيس أبى إلا أن تكون زيارته أكثر جدلاً، وذلك بتصريحاته التى جاءت أمام حشد كبير من المثقفين الأكراد، والتى أكد فيها أن الحضارة العربية دخلت طور الانقراض، وأن العرب لم يعد لهم حضور خلاق فى الثقافة الكونية الحديثة، ولم يقتصر على ذلك إنما حذر الأكراد قائلاً "أرجو أن لا تصيب عدوى العرب الوسط الثقافى الكردى".
هجوم عربى على أدونيس
كرد فعل على الزيارة وما أثير فيها، هاجم العديد من الكتاب العرب، أدونيس، كان آخرهم الكاتب المصرى عزت القمحاوى الذى هاجمه فى جريدة "القدس العربى" اليوم السبت، متهماً أدونيس بأنه هو الذى خلف نزار قبانى فى حمل راية مهاجمة العرب وإعلان "وفاتهم"، وأنه، أى أدونيس، يحصر أسباب وفاة العرب وتخلفهم فى الإسلام وأحياناً يدين القمع والسلطة العربية، وانتقد القمحاوى قول أدونيس بـ "أبدية التخلف"، فى معرض حديثه عن انتهاء الحضارة العربية، لأنها تفكير عنصرى يستوى مع حتمية التفوق النازية، وأيضا انتقد إشارته الدائمة للاستبداد دون تسمية للمستبد.
يدور باقى الهجوم الذى شن على أدونيس حول اتهامه بالرغبة فى تسليط الضوء عليه كما قال بسام الهلسة واصفاً إياه بـ "انعدام الذوق والسطحية والتنازل لصالح الحصول على جائزة نوبل"، وأنه "شخصية تتلذذ بالجهر بكراهية العرب واحتقار كل يمت لهم بصلة كما قال فواز الطرابلسى فى "السفير" اللبنانية، متهما إياه بتملق الكرد للتملص من تهمة تلاحقه بمهاجمته الشعب الكردى، وذلك بهجاء ذاتى للحضارة التى ينتمى إليها، متسائلاً لماذا يقدم أدونيس نفسه باسم هذه الحضارة العربية للترشيح لنوبل مقدماً عدداً لا نهائياً من التنازلات السياسية البشعة. كما لم يقتصر الشاعر السورى حازم العظمة على مهاجمة أدونيس إنما هاجم إقليم كردستان ووصفه بـ "المحمية الأمريكية" ووصف أدونيس بأنه "حفيد المتنبى الذى يقدم التنازلات لصلح ممدوحيه وينافقهم"، وذلك فى مقاله المنشور بـ "الأخبار" اللبنانية بعنوان "ما قاله حفيد المتنبى فى محمية أربيل الأمريكية".
دفاع وتوجس كردى
على الجانب الآخر، لم يقتصر الكتاب الكرد على الجلوس فى مقاعد المتفرجين، إنما شاركوا فى الحرب بأنياب قوية، كانت أحدث هذه المداخلات وأغربها، مداخلة الكاتب الكردى نزار أغرى المنشورة فى جريدة الأخبار البيروتية اليوم السبت تحت عنوان "ما لم يقله أدونيس عن زيارته إلى كردستان العراق"، ففى الوقت الذى دافعت فيه كل المقالات والمداخلات الكردية عن أدونيس وانشغلت بالهجوم على الكتاب العرب، هاجمت هذه المداخلة، أدونيس، حيث تساءل نزار أغرى عن جدوى زيارة أدونيس لإقليم كردستان، حيث لم يتطرق إلى السبب الذى جعله يزور كردستان فى ذلك الوقت ولا يزور غيرها من المدن العراقية خارج الإقليم، خاصة وأن أدونيس وغيره من الكتاب العرب فى وقت سابق كان الإقليم فى حاجة إليهم، التزموا الصمت ولم يتعاطفوا معه، حين كانوا الأكراد يموتون خنقاً وشنقاً، منتقداً تحذير أدونيس الأكراد لكى لا تصيبهم عدوى العرب، "فالأرجح أنه، أى أدونيس، يستخف بعقول مستمعيه، معلقاً على عدم معرفة أدونيس بأحوال الإقليم.
فى حين انبرى غيره من الكتاب الأكراد فى الدفاع عن أدونيس وعن الزيارة، واعتبر الكردى فاضل ثامر فى "الصباح" العراقية حدثاً ثقافياً بارزاً ومحاولة لكسر العزلة عن الإقليم، معتبراً أن كردستان غير العربية ترغب فى التواصل المستمر مع الواقع الثقافى العربى. أما خالد سليمان فانتقد الثقافة العربية وموقف سعدى يوسف من الإقليم، واعتبر أن حديث أدونيس عن الحضارة لو كان فى مكان آخر لما أثار مثل هذا الضجيج، وذلك فى مقاله المنشور بجريدة الحياة.
دفاع أدونيس عن نفسه
أدونيس لم يلتزم الصمت حيال هذا الهجوم، ورد على منتقديه فى مقال له منشور فى جريدة الحياة، واصفاً مهاجميه بأنهم يخلطون بين الشخصى والعام، موضحاً أن كلامه جاء فى معرض سؤال حول الثقافة، مستغرباً الضجيج الذى أثارته زيارته لسببين، هما أن إقليم كردستان جزء من العراق، وأن ما قاله عن انقراض الحضارة العربية سبق وأن قاله فى القاهرة ودمشق وبيروت حيث أتاحت الفرصة، وأن كلامه جاء فى معرض تصحيحه لتحريف عبارة له تقول بـ "انقراض الحضارة العربية" إلى عبارة "الحضارة العربية جثة نفقة".
مبرراً كلامه عن انقراض الحضارة العربية لكون العرب يزدادون تراجعاً فى كل الميادين وكذلك لتابعيتهم للقوى الكبرى، ولأنهم لم يعلموا مؤسسياً على ابتكار ما يحتاجون إليه وازداد العرب استبداداً، ليتهكم فى نهاية المقال على منتقديه قائلاً "أحقاً أيها المحتجون، لم تنقرض حضارتكم، ولا تزال تجر أذيالها الباذخة".
أهم القضايا التى أثارتها الزيارة
أبرزت هذه المناقشات والمداخلات، عدة قضايا مهمة على الساحة العربية، من أهمها:
1ـ معاملة الأقليات فى الوطن العربى ونعتهم الدائم بالخيانة تارة وبالعمالة تارة أخرى، يظهر هذا من نعت حازم العظمة لإقليم كردستان بالـ "المحمية الأمريكية"، وهو ما أغضب الكتاب الأكراد وجعلهم يهاجمون العرب والسلطوية العربية.
2 ـ الانتقاد الدائم الذى تتعرض له الحضارة العربية، هل هو جلد للذات الغرض منه التقدم والمراجعة، أم الهجوم لمجرد الهجوم، فأدونيس لم يترك أى مناسبة إلا وهاجم العرب والحضارة العربية، سواء فى كردستان أو فى غيرها.
3ـ الخلط بين المنجز الخاص والعام، ففواز الطرابلسى الذى انتقد هجوم أدونيس على العرب وعَدَّدَ له الأدباء العرب الذين أسهموا فى بناء الحضارة الحديثة، رد عليه أدونيس بأن الحضارات وحيويتها ونموها وفاعليتها لا تقاس بأفراد مهما نبغوا، وإنما بالمؤسسات الثقافية والحكومية، وكذلك بمستوى الحريات وعلاقة هذه المؤسسات بالمثقفين، فأغلبهم كانوا ضحايا للاستبداد العربى وأغلبهم عاشوا حياة مأسوية.
4ـ مقارنة الحضارة العربية بغيرها من الحضارات، ووضعها فى موازين مع غيرها "كالمقارنة بين العرب والغرب"، وهل هى تبعية أم مجرد إعجاب أم استفادة من الحضارات الأخرى.