فى اليوم الأول للإعلان عن ظهور أنفلونزا الخنازير فى المكسيك عاد أصغر أبنائى الذى يدرس فى المدرسة البريطانية بالقطامية، وفى حقيبته رسالة من مدير المدرسة لكل أولياء الأمور مكونة من ستة أوراق، تحتوى كل ما يمكن معرفته عن أنفلونزا الخنازير، بداية من تعريف منظمة الصحة العالمية للمرض، وأعراضه، وكيفية الوقاية منه، وانتهاء بنصائح حول النظافة العامة وطرق الوقاية.
داخل المدرسة أصدر المدير تعليمات مشددة بضرورة فتح جميع نوافذ الفصول، ومنع التجمع فى أية مناطق مغلقة، ومنع التقبيل والمصافحة، وقرر توقيع عقوبات صارمة على المخالفين، وتم التشديد على وضع ديتول مطهر فى الحمامات، وتعليمات لجميع التلاميذ والعاملين بالمدرسة بضرورة غسل الأيدى بمادة مطهرة كل ساعة.
ما فعله مدير المدرسة الإنجليزى فى مصر هو ما يحدث فى جميع أنحاء العالم، لكنه للأسف لا يحدث فى مدارس مصر أو جامعاتها، وقد سألت مسئولين فى وزارة التعليم عن الإجراءات التى تم اتخاذها فور الإعلان عن ظهور أنفلونزا الخنازير فلم أجد أى إجراءات على الإطلاق، وباستثناء اجتماع وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى مع وزيرى التعليم والتعليم العالى لم يسفر عن الاجتماعين أى إجراءات باستثناء تعليمات شفوية لمديرى الإدارات التعليمية بالتغاضى عن احتساب أيام الغياب فى الفترة التى تسبق الامتحانات.
الحمد لله أن أنفلونزا الخنازير لم تظهر فى مصر حتى الآن، لأنها لو حضرت فلن تخرج، حتى بالطبل البلدى، مثل أنفلونزا الطيور التى جاءت فجأة، وتوطنت وتحورت وأصبح القضاء عليها من الأحلام المستحيلة، لأننا غالباً ما نتعامل مع كل خطر باهتمام بالغ فور حدوثه، ثم يقل اهتمامنا شيئاً فشيئاً، حتى نعتاد الأمر ويصبح وجوده طبيعياً.
وخلال أزمة أنفلونزا الخنازير تحرك وزير الصحة بفاعلية لافتة، ورغم عشرات التحفظات على الأداء الصحى فى عهده، فإنه أظهر قدراً كبيراً من المسئولية ولم يترك مسئولا إلى واجتمع به، ووضع خططا مفصلة للتعامل مع الأزمة فى كل قطاع، وخص التعليم والتعليم العالى بالجانب الأكبر ربما لأنه يعلم حال التعليم فى مصر، وأن مدارسنا وجامعاتنا ليست أكثر من علب سردين يحشر فيها الأولاد حشرا، مما يجعلهم عرضة لانتشار كافة الأمراض وبسرعة مذهلة.
الغريب أن وزيرى التعليم والتعليم العالى لم يظهرا نفس القدر من المسئولية التى ميزت وزير الصحة، ولم يستجيبا له، فقد طلب منهما الجبلى منع التلاميذ من الذهاب إلى المدارس حتى بدء الامتحانات وهو ما لم يحدث، وطلب وضع اشتراطات صحية فى لجان الامتحانات بحيث لا تجرى داخل الفصول المغلقة والخيام وهو ما لم يحدث.
لا أريد الدخول فى تفاصيل ما يعانيه أبناؤنا فى التعليم الحكومى من كوارث، ولا فى المؤتمرات الوهمية التى يعقدها الوزيران لتطوير التعليم وتنتهى دون تطوير حقيقى، ولا فى مستوى التعليم والخريجين الذين يعانون من أمية متعلمين، فهذا ليس مجاله، لكن على الأقل كنت أتطلع إلى أن يتحلى الوزيران بقدر كبير من المسئولية فى التعامل مع أزمة صحية قد تصل فى أية لحظة إلى حد الوباء.
وعلى ما يبدو فإن وزيرى التعليم فى مصر لا يعنيهما أمر التلاميذ ولا العملية التعليمية، وأكثر أمانى كل منهما أن يحظى برضى الرئيس ورئيس الوزراء للبقاء فى منصبه أطول فترة ممكنة، وهذا للأسف حال معظم الوزراء فى هذا البلد، فهم يحلفون على احترام الدستور والقانون والعمل لصالح الشعب، لكن نادراً ما نجد وزيرا يحترم القانون، أو يعمل لصالح الشعب، ولسان حالهم يقول: "شعب إيه؟.. الشعب لا يختار.. ولا يعزل.. الشعب ليس صاحب قرار"، لذلك فإن الشعب يأتى فى آخر اهتمامات أى مسئول.. المهم رضا المسئول الأعلى حتى ولو كان الثمن أزمات صحية وكوارث وأوبئة وملايين العاطلين، ومن يبحثون عن إطعام البطون فلا يجدون.. لا تبتسم.. أنت فى مصر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة