بالعديد من التدابير، تبدو آفاق الاختيار فى الشرق الأوسط المتداخلة والمتشابكة ضئيلة أكثر من أى وقت مضى، ففيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن الحكومة الإسرائيلية، التى ربما تكون الأكثر تعنتاً على الإطلاق، تواجه معسكراً فلسطينياً منقسماً بشدة. وشبح الحرب الباردة يزحف على جميع أنحاء المنطقة مع وجود إيران، المخيفة نووياً، وحلفائها العديدين الذين يرفضون إسرائيل فى مواجهة مجموعة الدول المعتدلة الموالية للغرب التى تبدو محاصرة. هذا فى الوقت الذى تواجه فيه الولايات المتحدة، التى تعد المحاور الخارجى التقليدى، والتى فقدت مصداقيتها طوال السنوات الثمانى التى قضاها بوش فى البيت الأبيض، تواجه الكثير من التشتت فى الداخل.
والآن تبدو إدارة الرئيس باراك أوباما على وشك الخوض فى مستنقع الشرق الأوسط، وكان الرئيس الأمريكى الذى يحظى بالشعبية قد أعرب عن جديته بتعيينه جورج ميتشيل مبعوثه الخاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط،، وهو رجل محنك، وكذلك برفضه سياسة سابقه جورج بوش التى تقوم على رفض التحدث إلى خصوم أمريكا.
الدبلوماسية الأمريكية الآن تتغير نحو الأفضل. ومع وجود تطلعات أكثر جرأة لدى المسئوليين الأمريكيين، دعا أوباما عدد من قادة الشرق الأوسط إلى واشنطن. ويخطط فى بداية يونيو لإلقاء خطاب فى القاهرة وهى المدينة العربية والإسلامية الأكبر، للوفاء بوعده بتوجيه خطابه إلى العالم الإسلامى الذى يقدر عدد سكانه بـ 1.3 مليار نسمة، وذلك فى أجل استعادة مكانة أمريكا وربما أيضاً من أجل وضع رؤية كبيرة بما يكفى لردع المفسدين فى المنطقة.
وهناك العديد من الأطراف الفاعلة فى الشرق الأوسط تكره ما بدأوا يسمعونه. أولها حكومة إسرائيل التى تبدو مرتبكة بشكل متزايد بسبب الرياح الجديدة التى تهب من واشنطن. فرئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد بنيامين نيتانياهو يقول، ضمن أشياء أخرى، إن على الرئيس أوباما أن يحد من طموح إيران النووى إلى حد ما قبل دفع إسرائيل للتوجه إلى الفلسطينيين.
المؤكد أيضا أن أمريكا ترى أن طموح إيران النووى ودعمها للجماعات الإسلامية فى بعض الأماكن مثل حماس فى غزة وحزب الله فى لبنان، يمثل تهديداً. لكن فى تناقض لإصرار إسرائيل المستمر على أن خيار استخدام القوة ضد إيران يجب التمسك به، فإن وزير الدفاع الأمريكة روبرت جيتس، حذر من أن الهجوم العسكرى قد يؤخر، ولن يدمر، برنامج طهران النووى.
جيمس جونر، مستشار الأمن القومى الأمريكى، الهادئ والصارم فى الوقت نفسه أشار بوضوح إلى أن العمل على حل الدولتين يمكن أن يفعل الكثير للحد من تهديد إيران. وتحدث عن تجربة يوغسلافيا لتوضيح أنه فى تحقيق السلام، سيكون أكثر فعالية للولايات المتحدة المشاركة فى مفاوضات مباشرة بدلاً من ترك الطرفين لإصلاح الأمور، فى إشارة إلى أن الولايات لمتحدة لن تخجل من ممارسة ضغوط على حليفتها إسرائيل.. سوزان رايس، مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة أيدت دعوة مجلس الأمن بالإجماع لإنشاء دولة فلسطينية، واستخدمات مصطلحات غير معتادة على مسئول أمريكى مثل "بشكل كامل"، و"لا لبس فيه"، و"بشكل عاجل".
غير أن الرافضين من العرب والمسلمين أقل سعادة باللهجة الأمريكية الجديدة. فقادة إيران يقون إنهم يريدون أن يروا فعلاً وليس مجرد كلمات جميلة، وحليفتهم سوريا التى عاد الغرب للتعامل معها مؤخراً تظن أن العالم اقتنع بحكمتها فى دعم حركات "المقاومة" وعدم الاستغناء عنها فى أى فرصة لتحقيق تقدم فى المنطقة، إلا أنها تعرضت لصدمة مؤخراً عندما أمر الرئيس أوباما بتجديد العقوبات المفروضة عليها.
أما حركة حماس وحزب الله اللبنانى، اللذان فرحا بالاتجاه الأوروبى الأقل عداء لهما وأملوا فى أن أمريكا ربما توقف تصنيفهما فى يوم ما كإرهابيين، لا يزالان منبوذين على الرغم من أنه من المرجح أن ميتشيل يدرس بهدوء سبل جذبهم إلى الحوار، ربما عن طريق طرف ثالث فى البداية. ولا تزال الحركتان، حزب الله وحماس، من المفسدين الأقوياء: حزب الله يسعى لتحقيق مكاسب كبيرة فى الانتخابات النيابية فى لبنان المقررة الشهر المقبل وربما يلعب دور أكبر فى الحكومة اللبنانية القادمة. وبدون حماس لن يكون بإمكان أى حكومة فلسطينية التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل.
ومع ذلك، فقد بدأ أوباما فى كسب التأييد لجهوده بل والحماس لها أيضا. فالعاهل الأردنى المللك عبد الله، الذى كان أول زعيم شرق أوسطى يتم استقباله فى البيت الأبيض فى ظل الإدارة الجديدة، يقول إن الأمريكيين يقبلون الآن ضرورة الحاجة إلى بناء زخم من أجل تحقيق سلام شامل. وقال أيضا إنهم يدركون، وهو الأمر الذى لم تعيه إدارة بوش، أن كل العرب والمسلمين سيعترفون بإسرائيل إذا انسحبت من الأراضى الفلسطينية التى تحتلها.
الرئيس حسنى مبارك، أحد أقوى حلفاء الولايات المتحدة الذين توترت علاقتهم مع إدارة بوش وكادت تصل إلى نقطة الانهيار، أثنى على الرئيس الأمريكى الجديد ووصفه بالدقيق والعاقل ولديه رغبة فى الاستماع على النقيض تماما من سابقه بوش.
أوباما يتمتع بمميزات لم يكن سابقه بوش يمتلكها على الإطلاق، فلديه دعم قوى غير معتاد فى العالم كله الذى شاركه نفاذ الصبر فى التوصل إلى تسوية للشرق الأوسط. كما أنه لا يزال يتمتع بشعبية فى الخارج. ورغم كل هذا، فإن رفع التوقعات بدفعة دبلوماسية كبيرة، تحمل مخاطرة من قبل أوباما بإلحاق الضرر بمصداقية أمريكا أكثر من ذى قبل إذا ثبت غموض جهوده أو عدم جدواها.
قالت إنه سيضر بالدبلوماسية الأمريكية ما لم يحقق نتائج ملموسة بالمنطقة
الإيكونومست تحذر أوباما من الفشل
الجمعة، 15 مايو 2009 08:07 م
جانب من تقرير الإيكومومست
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة