لم تمر أيام قليلة على إعلان مصر سحب مناقصة المشروع النووى من شركة بكتل الأمريكية حتى طيرت وكالات الأنباء مقاطع من تقرير سرى غير قابل للتداول خارج الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول العثور على آثار يورانيوم مخصب فى معمل أنشاص البحثى..
ولم تمر ساعات على تصريح مساعد وزير الخارجية الإسرائيلى: لماذا إسرائيل فقط التى تلتفتون إلى سلاحها النووى انظروا إلى إيران وسوريا ومصر حتى صدرت التقارير المذكورة آنفا، وهى لم تظهر عفو الخاطر بل بصيغة تحريضية وأقرب إلى التحرش النووى إن جاز التعبير.
أضف إلى جزيئات الصورة أيضا المطالبة الأمريكية لإسرائيل بالانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية للمرة الأولى فى تاريخ البلدين.
من إذن وراء التسريب ؟.. بكتل الأمريكية ذات العلاقات المتشعبة برموز الإدارة الأمريكية خاصة جهاز المخابرات الأمريكى سى.اى.إيه..أم إسرائيل المهووسة بوأد أى نشاط نووى فى المنطقة حتى لو كان سلميا؟
ربما أحدهما أو كلاهما معا.. لكن فى كل الأحوال هناك محاولات خلط أوراق نووى فى المنطقة، وهو خلط متعمد لإحداث حالة تشوش مقصودة. تستفيد منه إيران أيضا ذات العلاقات الطويلة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحكم برنامجها النووى الذى يخضع لمفاوضات منذ فترة فى أروقة الوكالة.
نحن إزاء ثلاثة أطراف، تصب مصالحها فى الشوشرة على البرنامج النووى المصرى الذى لم ير النور بعد. على الأقل تحاول إحداها ابتزاز مصر، بينما تحاول أخرى الانتقام، فيما الثالثة تلجأ إلى التهويش. لنبدأ بإسرائيل التى تصورت خطأ أن مصر والدول العربية يقفان بجوارها ضد البرنامج النووى الإيرانى باعتباره خطرا مشتركا، لكن مصر ردت على لسان حسام زكى المتحدث باسم وزارة الخارجية: مصر لن تقف مكتوفة الأيدى ولن تسمح بأن تستمر إسرائيل فى امتلاك السلاح النووى، بينما تصر إيران على التمسك ببرنامجها.
قدرة اسرائيل على اللعب بالمعلومات السرية التى تحصل عليها من عدة أطراف غربية ومؤسسات دولية واستخدامها للابتزاز معروفة، وليس مستبعدا على الاطلاق انها علمت بتقرير الوكالة الولية عن بقايا اليورانيوم عالى التخصيب فى أنشاص وتسريبه كرسالة تبعث بها إلى مصر.
بكتل هى الأخرى، أصبحت فى مرمى الشكوك المصرية منذ الاعلان بشكل مفاجىء عن إلغاء تعاقدها كاستشارى لإنشاء أول محطة نووية مصرية.. والشركة الأمريكة بمثابة اخطبوط دولى، وسمعتها تعلوها الغبار بسبب سوابق أعمالها فى دول عدة، آخرها العراق بعد الاحتلال الأمريكى له، حيث وقعت بكتل عقودا بأكثر من 680 مليون دولار لإعادة أعمار بعض مناطقه وزاد الرقم إلى 2.3 مليار دولار بما جعلها القاسم الأكبر لكعكة الاعمار العراقية بعد تدميره، لكنها انسحبت قبل إنجاز المهمة بدعوى أن الأوضاع الأمنية هناك لا تسمح.
أهم ما يجب الانتباه إليه هنا أن الشركة شأنها شأن الشركات الامريكية الأخرى لا تكتفى بمباشرة مشروعاتها فحسب بل تسعى إلى فرض شروطها على الدول التى تعمل بها، وهناك واقعة ذات دلالة حدثت مع مصر تحديدا فى مطلع عام 1980 عندما فكرت مصر انذاك فى تدشين برنامجها النووى ووقع الاختيار على شركة وستنجهاوس الأمريكية لإنشاء المحطة النووية الأولى، وقتها اشترط بنك الاستثمار القومى الامريكى لتمويل المشروع أن تقوم جهات أمريكية بالتفتيش على المشروع النووى المصرى بعيداً عن تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما رفضته مصر فى حينه.
شىء من هذا القبيل، يمكن أن يكون قد حدث فى مفاوضات مصر مع بكتل لتصميم أول محطة نووية مصرية خاصة فى ضوء رفض كل الطرفين الافصاح تفصيلا عن سبب استبعاد بكتل كاستشارى المشروع.