◄نهرو طنطاوى: الله سبحانه وتعالى ليس إلها لأمم وشعوب الشرق الأوسط فقط!
◄ ليس من العدل أن تعيش أمم كبيرة آلاف السنين دون رسول واحد.. ثم تدخل جميعها النار!
◄القرآن الكريم أبلغنا بوجود رسل وأنبياء لم يقصصهم على محمد ([) ولم يذكرهم فى آياته
◄بوذا ليس مسئولا على انحراف اتباعه بديانته وتقديسهم له تماما مثلما حدث من أتباع ديانات أخرى
لم تتوقف مراجعات أعضاء وقيادات الجماعة الإسلامية عند حدود الجهاد، والخروج على الحاكم وأحكام غير المسلمين إلى أطروحات فقهية جديدة تعكس تحولا فكريا فقهيا، لا مثيل له فى تاريخ هذه الجماعات.
فها هو نهرو طنطاوى القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية- والذى ذاق مرارة الاعتقال أثناء المواجهات الشهيرة بين الجماعة والأمن المصرى طوال الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات تقريبا، رغم أنه بدأ المراجعات مبكرا- يقدم اجتهادا جديدا استخدم فيه المنهج الاستقرائى التاريخى ليثبت أو يحاول أن يثبت أن ما سمى بالديانات البشرية ليست إلا ديانات سماوية، مستندا إلى عدة حقائق أبرزها أنه ليس منطقيا أن يكون الله سبحانه وتعالى إلها لمنطقة الشرق الأوسط فقط، تاركا أمما وشعوبا تفوق فى سكانها وأرضها أمم وشعوب الشرق الأوسط .
كما أنه ليس من أسس العدل أن تعيش أمم كبيرة آلاف السنين دون رسول واحد، ثم يتوعدها أتباع الديانات الأخرى بجهنم وبئس المصير!! وقد اعترض الأزهر على نشر الكتاب، كما رفضته دور نشر عديدة مما دعا صاحبه إلى التفكير فى نشره بإحدى دور النشر فى اليابان باعتبارها دولة بوذية!
يباغت نهرو طنطاوى قراءه بقوله: ( أن مصدر كل ديانات الأرض- سماوية أو وضعية- مصدرها واحد، وهو الله الموجود فى الفطرة البشرية، وهنا أيضا نصل إلى حقيقة هامة وكبيرة فى الوقت ذاته، ألا وهى: إن الأديان التى تسمى بالوضعية كديانات الهند والصين وإيران القديمة وغيرها من الأديان، هى فى الأصل أديان سماوية، إذ ليس هناك دليل علمى واحد يثبت أن هذه الأديان ليست سماوية، وليس هناك دليل علمى واحد، يثبت أن القادة الأوائل لهذه الأديان (بوذا وكونفوسيوش وزرادشت) ليسوا أنبياء، فإن الدارس للأديان الهندية القديمة والأديان الصينية القديمة، يجد فيها الكثير من المعتقدات والتشريعات الدينية والمناسك الدينية التى تتفق تماما مع معتقدات وتشريعات وشعائر الديانات التى تسمى بالسماوية خاصة الإسلام، إلا أن جميع الأديان بلا استثناء، وبما فيها الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، قد امتدت إليها أيدى البشر بالتحريف والتبديل والتغيير، سواء تحريف الرسالات أو تحريف المفاهيم والتصورات حول أصل طبيعة الإله وأصل طبيعة الدين)
ولا يترك طنطاوى القصة دون الاستدلال بالقرآن الكريم على إشارات وتصريحات التنزيل الحكيم على وجود ديانات أخرى فى غير مهد الديانات السماوية الثلاث القديمة فيقول:
ليس هناك أدنى اعتراض فى القرآن الكريم على وجود أديان سماوية فى أى بقعة من بقاع الأرض، قبل بعثة النبى محمد عليه الصلاة والسلام، بل إن القرآن الكريم أقر بأنه، ليس من أمة من أمم الأرض إلا وقد بعث الله فيها نبيا أو رسولا، فقد أخبر القرآن الكريم أن الله بعث فى كل أمة من أمم الأرض رسولا يدعوهم إلى طاعة الله والالتزام بالفضيلة ومكارم الأخلاق والبعد عن الرذيلة والفواحش والظلم والبغى والفساد فى الأرض، وأخبر القرآن أيضا، أن الله لم يهلك الأمم والقرى حتى يبعث فيهم رسولا يتلو عليهم آيات الله ويذكرهم بها، وأخبر القرآن الكريم أيضا أن الأنبياء الواردة قصصهم فى القرآن الكريم، ليسوا هم كل الأنبياء الذين أرسلهم الله، وإنما هم بعض الأنبياء والرسل، فقد ذكر القرآن أن هناك من قد أرسلهم الله إلى أمم أخرى، ولكن لم يقصصهم علينا فى القرآن، وإنما أشار إليهم دون تحديد لأسمائهم أو أماكنهم أو زمانهم.
ويقدم نهرو على إعادة فك وتركيب المفاهيم من جديد، ليعيد تقديم تعريفات جديدة لمصطلحى النبوة والرسالة، حيث يبدأ بالنبوة ويقول إن البعض يعتقد خطأ، أن المعنى الحقيقى والأصلى للنبوة هو نوع من العلم والحكمة يوحى الله به إلى شخص من عباده، وأيضا يعتقد البعض خطأ أن النبى ليس برسول، بل هو شخص من الناس أوحى الله إليه، ولم يأمره بتبليغ ذلك إلى الناس، وأيضا يعتقد البعض خطأ أن كلمتى: النبوة، والنبى، أتتا من كلمة النبأ، التى هى بمعنى الخبر.
هذه الاعتقادات ليست صحيحة على الإطلاق، بل هى لغو وخلط فى أصل معانى الكلمات، لنتبين أن النبوة رفعة فى منزلة النبى على بقية الناس، وهى ليست وظيفة، وليست فى ذاتها وحيا، كما يظن كثير من الناس، أما النبوات التى أشار إليها القرآن الكريم، فهى رفعة لشأن أشخاص لم يبلغوا هذه المنزلة إلا بعلم وحكمة أوحى الله بها إليهم، فلذلك هم يختلفون عن سائر الناس الذين لهم رفعة فى الشأن، سببها المال أو الجاه أو السلطان، لأن السبب الوحيد فى رفعتهم هو الله وليس أى شيء آخر، ولذلك نسبهم الله إليه، وسماهم أنبياء الله، قال تعالى: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (البقرة 91).
ويضيف أيضا أن كثيرا من الناس، يعتقدون خطأ أن هناك أنبياء ليسوا برسل، أو أن هناك رسلا ليسوا بأنبياء، وهو اعتقاد غير صحيح، فإن كل نبى لابد وأن يكون رسولا، وكل رسول لابد وأن يكون نبيا، ومن هنا لابد أن نفرق بين كل من النبوة والرسالة، فالنبوة هى رفعة ومنزلة سامية يرقى بها الشخص الموصوف بها على جميع الناس، أما الرسالة فهى وظيفة يقوم من خلالها النبى أو الشخص المرسل بتبليغ رسالة الله وعلمه وحكمته إلى الناس.
وهنا يطرح سؤالا هاما وهو: كيف خلط كثير من الناس بين النبوة التى هى رفعة فى المنزلة، وبين الرسالة التى هى وظيفة؟، ولماذا ادعى البعض أن النبى من الممكن أن لا يكون رسولا، والعكس؟.
للجواب على هذا السؤال أقول: لقد خلط الناس بين النبوة والرسالة، أولا: بسبب تجاوز الناس للمعانى الأصلية لكلمتى النبوة والرسالة. ثانيا: عدم معرفة كثير من الناس بحقيقتين هامتين وردتا فى القرآن الكريم، الأولى: أن الله يهب النبوة لأناس ابتداءً، وبعد أن تكتمل نبوتهم يختارهم الله رسلا فيما بعد. الثانية: أن الله يختار ويصطفى بعض الناس الذين ليسوا بأنبياء، وإنما هم أناس عاديون، يختارهم الله ويكلفهم بالرسالة، ثم يهبهم النبوة بعد تكليفهم بالرسالة. وبعبارة أخرى، إن من الأشخاص من وهبه الله النبوة أولا، وبعدها بفترة كلفه بالرسالة، بمعنى أنه أصبح نبيا أولا ثم رسولا ثانيا، وإن من الأشخاص من كلفه الله بالرسالة أولا، ثم وهبه النبوة بعد تكليفه بالرسالة، بمعنى أنه تم تكليفه بالرسالة ثم اكتسب النبوة بعد ذلك.
وخلاصة ما تقدم، أن الأنبياء هم رسل، وأن الرسل هم أنبياء، والفرق بينهما أن النبى هو من جاءته النبوة هبة من الله وفضلا منه سبحانه قبل الرسالة، أما الرسول فقد اكتسب النبوة بعد الرسالة، وبعد إيمانه بها وصبره وثباته عليها. إذن النبى جاءته النبوة هبة من الله وفضلا ودون جهد منه، أما الرسول فقد اكتسب النبوة بفضل إيمانه بالرسالة وصبره وثباته عليها.
إذن كان وحى الله مع الأنبياء والرسل على حالتين مختلفتين، هما:
الحالة الأولى: حالة النبى، وهو الشخص الذى اصطفاه الله لنبوته، فيأتيه الوحى على مرحلتين متعاقبتين ومنفصلتين عن بعضهما زمنيا، وحيا خاصا به هو، يأتيه بمفرده ليحظى بنبوة الله أولا، ثم يأتيه وحى آخر ليبلغه للناس بعد أن أصبح نبيا لله، فالوحى الأول رسالة خاصة منفردة يهبها الله للشخص الذى اصطفاه ابتداءً حتى يصبح نبيا، وبعد أن ينال منزلة النبوة يكلفه الله بعد ذلك برسالة أخرى ليبلغها للناس، فيصبح فى هذه الحالة نبيا أولا، ثم يختاره الله ويصطفيه بعد ذلك رسولا لتبليغ رسالة الله إلى الناس.
ثم ينتقل الكاتب إلى نقطة مهمة أخرى، حيث يؤكد أن الرسل قبل تكليفهم بالرسالة ما كانوا سوى رجال عاديين، اصطفاهم الله على الناس وكلفهم بالرسالة، ثم وهبهم النبوة بعد ذلك، وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل، وهؤلاء هم أعظم فضلا وأجرا من الأنبياء الذين وهبهم الله النبوة أولا ثم أرسلهم ثانيا، لأن أولى العزم من الرسل، فوجئوا بالرسالة دون أى تمهيد مسبق، فحملوا عبء الرسالة، والإيمان بما جاء فيها، ثم الصبر والثبات وتحمل الأذى فى سبيلها، فوهبهم الله النبوة بكسبهم واقتدارهم وجدارتهم وصبرهم وثباتهم ويقينهم، أما غيرهم من الأنبياء، فقد نالوا النبوة هبة من الله وفضلا منه ومنة عليهم، دون أى جهد يذكر منهم، كإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وزكريا، ويحيى، وداود، وسليمان وغيرهم من الأنبياء الذين أنعم الله عليهم بالنبوة هبة منه سبحانه، أما الرسل فقال تعالى عنهم: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). (35 الأحقاف).
وأولو العزم هم من الرسل فقط، وليسوا من الأنبياء، وهم ليسوا خمسة رسل فقط كما يزعم البعض أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، بل إن أولى العزم من الرسل هم جميع المرسلين الذين أرسلهم الله، ثم اكتسبوا النبوة بإيمانهم وعزمهم وثباتهم وصبرهم على أقوامهم، ومن أولو العزم الذين وردت قصصهم بالقرآن هم: نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، ولوط، وهود، وصالح، وشعيب، ويونس، وإلياس، وموسى، وعيسى، ومحمد عليه السلام.
وبعد أن مهد نهرو الأرض جيدا لنظريته، انتقل إلى الحديث عن مضمونها، حيث يرى أن قصة بوذا تتشابه إلى حد كبير مع سيرة العديد من الأنبياء والرسل، بل هى أقرب إلى سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، حيث يقسمها بالفعل إلى عزلة ونبذ للعادات والتقاليد، ثم اعتكاف، ثم وحى، ثم اضطهاد، ثم هجرة فيقول:
عندما بلغ بوذا السادسة عشرة كان له ثلاثة قصور فى ثلاث مناطق مختلفة, قصر لكل فصل من فصول السنة، ولكنه وسط هذا اليسر والثراء كان يحس بالأسى أو الحزن الذى يسببه ثراء وسلطان بعض الناس للآخرين غيرهم, وبعد أن تزوج بوذا امرأته، وولدت له طفله الأول، ترك هذا الرخاء فى منزله ليبحث عن حياة ترضيه أكثر من غيرها. ولقد تحدث فى السنوات الأخيرة، واصفا هذا الحادث فقال: (لقد عرفت الضيق والضجر من الحياة فى منزل لا تسهل فيه ممارسة حياة دينية كاملة النقاء، ومع أننى كنت فى فجر العمر.. وعلى الرغم من بكاء والدى حتى غطت العبرات وجهيهما، قصصت شعر رأسى ولحيتى وارتديت ثيابا صفراء اللون، ثم تركت حياتى المستقرة فى منزلى إلى حياة أهيم فيها دون ما مستقر). (مانوراما موداك, ص89). ومكث بوذا فى عزلته ست سنوات.
◄الوحى ونبوة بوذا:
حينما كان بوذا فى العزلة والاعتكاف فى الغابات، وجد فى الغابة معلما اسمه (جورو) ،قضى بعض الوقت فى الدراسة معه، ثم سار بمفرده حتى استقر على شاطئ النهر، وبدأ يحد من كمية غذائه حتى وصل إلى حد كان يعيش يومه على طعام يمكن أن يضعه فى راحة يده, ومر الوقت وأدرك أن هذا إجراء لا ينفع أحدا غيره، وأنه قد انعزل عن الناس أكثر من اقترابه منهم، وعندئذ عاد إلى زيادة كمية طعامه فى غير شراهة. وفى تجواله من مكان إلى آخر، استقر أسفل شجرة, شجرة تين. (مانوراما موداك, ص87). وهو تحت الشجرة المقدسة تمت له الإشراقة وانجلت له عقد الكون, وبوذا نفسه يصف هذه الإشراقة، فيقول: كلمنى صوت من داخلى قائلا: إن الهوى هو أصل الحزن. والنفس هى التى تجلب الشقاء، وذلك أن المرء يقول دائما: أنا أنا, ويقول أيضا: زوجتى وأولادى فهم أيضا نوع من أنا، أما من سواهم فليسوا أنا، فيهوى ما يرى فيه شهوة نفسه، وإذا خاب شقى بهذه الفكرة, يذهب الناس فى الدنيا كالحريق العظيم المدمر، فيؤذون ويقتلون ويكونون لعنة على الخلق. قال بوذا للصوت: إن قبلت قولك فهل أنال الحرية؟. فأجاب الصوت: نعم، نعم إنه يجلب لك الحرية أيها الناسك. فهل هذه هى النيرفانا؟ هل هى القضاء على الأنانية والتحرر من الهوى وسلطان النفس؟. (د. أحمد شلبي, ص158).
◄دعوة بوذا لقومه إلى طاعة ما جاء به من تعاليم:
بعد أن عاد بوذا من رحلة العزلة والاعتكاف والتى استغرقت عددا من السنين: (بدأ يجمع الناس من حوله لينصتوا لحديثه، وقد قابل فى البداية خمسة رجال يسيرون معا على الطريق، فأخذ يدعوهم إلى مذهبه) (مانوراما موداك, ص 88). (وكان يوضح ما يفسره لتلاميذه ولم يكن أى من خصومه يستطيع أن يربك تفكيره, وجاء الناس من كل بقاع الهند ليناقشوا معه عقيدته, وتزايد عدد تلاميذه ومريديه، وأنشأ الصوامع للدرس والعبادة فى البساتين والحدائق.
◄ اضطهاد بوذا من قومه:
لما كانت تعاليم بوذا شديدة الزهد والتجرد عن الدنيا. وكانت تعاليمه تدين بشدة وصرامة جميع ألوان الممارسات الشعائرية الوثنية والطبقية التى تشكل البقايا الأخيرة للفترة (الفيدية) البرهمية. لاقى بوذا وأتباعه اضطهادا كبيرا فى الهند، بعد انطلاق تعاليمه بين الناس. وبسبب هذا الاضطهاد التجأ رهبان بوذيون كثر إلى الصين، هربا من اضطهاد البرهميين، فلم تلق التعاليم البوذية سوى التهكم والسخرية من الرهبان البراهمة الذين رموه بالكفر والإلحاد.
هجرة بوذا:
يقول الكاتب، إن كتب التاريخ تخبرنا أنه عندما خرج بوذا من الريف إلى المدينة، رحب به السكان ترحيبا ملكيا، وقد وصلها فى قارب عبر نهر (الجانج) ،حيث استقبله الناس وقد زينوا الطريق من النهر إلى المدينة بالأعلام، وتوجوه بالأزهار، ورشوا الأرض بالمياه لمنع تناثر الأتربة، وفرشوا الأرض بالزهر، وحرقوا العطور على طول الطريق، وجمعوا للاستقبال الفيلة والعجلات الحربية، وغيرت حياته وتعاليمه من البناء الاجتماعى للهند والصين وبلاد أخرى كثيرة لقرون طويلة تلت عصره. (الموسوعة العربية العالمية، ص91) ولا يكتفى نهرو طنطاوى بالإشارات المكثفة أحيانا، والموسعة أحيانا أخرى على تشابه البوذية بالديانات السماوية الأخرى من حيث الإيمان بالله واليوم الآخر، والحض على الخير، والبعد عن الشر، والزهد فى الدنيا، وبر الوالدين، وإأنما يعقد فى جرأة مقارنة مباشرة وصريحة بين النصوص البوذية والآيات القرآنية فيقول:
(هذه مقارنة بين تعاليم بوذا التى وردت فى خطابه الذى ألقاه على رفاقه فى (بنارس)، وبين بعض نصوص القرآن على النحو التالى:
- قال بوذا: (أيها الرهبان, هذه هى الحقيقة المقدسة (الأولى) عن الألم: المولد ألم, الهرم ألم, المرض ألم, الموت ألم, الاجتماع بغير المألوف ألم, الافتراق عن المألوف ألم, عدم ظفر الرجل بما يهوى ألم).
- ويقول النص القرآنى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى كَبَدٍ). (4 البلد). والكبد من المكابدة وهى المشقة والألم.
ويقول أيضا: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى). (117- طه).
- قال بوذا: (أيها الرهبان: هذه هى الحقيقة المقدسة (الثانية) عن مصدر الألم, الظمأ والشهوة والهوى والرغبة فى التلذذ, فى التكون, فى القوة).
- ويقول النص القرآني: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ). (14- آل عمران).
ويقول أيضا: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا). (27- آل عمران).
- قال بوذا: (ذلك الهوى وتلك الشهوة تجر من مولد إلى مولد، ومن ألم إلى ألم، إن الهوى أصل الألم).
- ويقول النص القرآنى: (قُلْ مَن كَانَ فِى الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا). (75- مريم).
- ويقول أيضا: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ، وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ). (201، 202- الأعراف).
قال بوذا: (إذا وجدت الشهوة والهوى، وجد التحديد والتخصيص، وإذا وجد التحديد والتخصيص، وجد الجهل، وإذا وجد الجهل، وجد الخطأ، وإذا وجد الخطأ وجد الحزن, فالحزن نتيجة للهوى والشهوات).- ويقول النص القرآنى: (لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). (153- آل عمران).
ويقول أيضا (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). (62- يونس).
قال بوذا: (أيها الرهبان: هذه هى الحقيقة المقدسة (الثالثة) عن إعدام الألم: إعدام الشهوة والهوى والظمأ والرغبة إعداما تاما).
-ويقول النص القرآنى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى). (40، 41 النازعات).ويقول أيضا: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ). (26 ص).
- قال بوذا: (أيها الرهبان: هذه هى الحقيقة المقدسة (الرابعة) عن سبيل إعدام الألم: سلوك الطريق المثمن (ذى الثمانى شعب) وهو: الاعتقاد الصحيح, العزم الصحيح, القول الصحيح, العمل الصحيح, العيش الصحيح, الجهد الصحيح, الفكر الصحيح, التأمل الصحيح).
- ويقول النص القرآني: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). (38 البقرة).
ويقول أيضا: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى). (123 طه).
ويضيف الكاتب: إن هناك مسألة هامة، أخطأ فيها الكثير من الباحثين، حيث ذهب معظمهم إلى القول بأن بوذا قال بوهمية وجود النفس البشرية وزوالها، وللرد على هذا أقول: إن تعاليم بوذا ووصاياه لم تشر إلى وهمية وجود النفس (الأنا)، ولا إلى زوالها، لكن الحقيقة أن الوهمية التى أشارت إليها تعاليم بوذا، هى وهمية وزوال ما تصبو إليه شهوات النفس ورغباتها من عرض الدنيا الزائل الفانى، وهذه الإشارة البوذية بوهمية وزوال شهوات النفس ورغباتها، هى نفس الإشارة ونفس التعاليم التى وردت فى كل الرسالات الإلهية، ونسوق بعض نصوص القرآن التى تتوافق مع وهمية وزوال شهوات النفس ورغباتها على النحو التالى:
(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ). (26 الرحمن).
(كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ). (88 القصص).
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا). (39 النور).
انتهى اجتهاد نهرو طنطاوى، ويبقى ما طرحه مثيرا للجدل، مثيرا للتفكير والبحث، لكنه يدعو فى كل الأحوال لمناقشة.
لمعلوماتك...
◄563 ق،م ولد بوذا من أسرة ملكية وعاش 3 عقود فى كنفهم
◄483 ق.م توفى بوذا وتم حرق جثمانه وتوزيع الرماد على افضل مناطق تليق به
◄البوذية ... ولد بوذا واسمه الحقيقى «سيدارتا غاوثاما»، فى «كايبافاستو»، على الحدود الفاصلة بين الهند والنيبال، كان والِدُه حاكماً على مملكة صغيرة، حتى إذا بلغ سن التاسعة والعشرين، أخد يتدبر أمرهُ و قام بترك الملذات الدنيوية، قام بممارسة اليوغا، بعد سبع سنوات من الجُهد، اتبع طريقا وسطا بين الحياة الدنيوية وحياة الزُهّاد، شرع بوذا يدعو إلى مذهبه، فتنقل من قرية إلى قرية، أخذ يجمع الناس من حوله، وأسس لطائفة من الرهبان عرفت باسم «سانغا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة