أنت قرأت الكلمة صح وليس بها أخطاء إملائية، المنفسن من نفسنة والفعل ينفسن والموضوع كله نرده إلى النفس وما تحمله من نوايا صالحة أو " بلك أسود". أنت لم تفهم شيئا بعد، حسنا، الكلمة ظهرت مؤخرا وانتشرت بشكل كبير فى الوسط الأدبى والثقافى فى مصر، وربما لا يعرفها الكثيرون فى المجالات الأخرى، لكنها موجودة بصورة أو بأخرى، وتعنى ببساطة مشاعر الحقد والغل التى يكنها لك الآخرون لمجرد أنك ناجح ومتفوق.
وأنا لا أجزم بوجود هذه التسمية فى أوساط أخرى غير الثقافة، لكن المنفسن موجود بشكل كبير بين المبدعين والمثقفين، وتعود هذه التسمية لولع هؤلاء فى اشتقاق مفردات جديدة، فظهرت كلمة " ينفسن " أى يطلق أحقاده السودا وبلاويه ، وأصبحت صفة المنفسن تلاحق كل من يزاول النفسنة بشكل أو بآخر على زملائه المتفوقين عليه فى كتابتهم أو حتى فى عدد الطبعات التى طبعت من كتبهم.
قد يكون المنفسن مبدعا وقد يكون ناقدا، وقد يكون مستشارا للنشر فى هيئة ما أو مؤسسة، وفى كل هذه الأحوال تختلف النفسنة، لكنها تظل نتيجتها واحدة فى النهاية، إصابة المنفسن عليه بالإحباط والألم من غل وحقد المنفسن. وإذا كنت كاتب شاطر نفذت طبعات كتبك فى وقت قياسى، قد تجد من تجتاحه حمى الغيرة والحقد الأسود تجاهك، وتجده يتقول عليك فى المنتديات والندوات والمقاهى بأقاويل تحط من شأنك وتشنع عليك، ويرجع أسباب نجاحك وتجاهل الكثيرين لكتابه إلى تدنى الذوق العام عند القراء، وتدهور مستويات التلقى، هذا هو المنفسن المبدع.
وهناك المنفسن الناقد الذى يمارس النفسنة فى مقالاته النقدية، فتجده يهجو عملا إبداعيا ما، ويحط من شأنه ويقلل من الفنية فيه، بدلا من تحليله تحليلا نقديا علميا، أو حتى تجاهله كما يفعل بعض النقاد الكبار الذين يفضلون عدم الكتابة عن عمل ضعيف فنيا، والغريب أن الناقد المنفسن يحب أن يخالف دائما كل الآراء التى تجتمع على وصف عمل إبداعى ما، وتكون النفسنة مبررة، فهذه الآراء ليست علمية، وليست على وعى فنى بالحركة النقدية الراهنة فى اللاشعور الإدراكى عند المتلقى اللامباشر. والمثال الثالث للمنفسن هو الذى يجعله سوء حظ المبدعين مسئولا عن قرار النشر بمؤسسة للنشر الحكومى أو مستشارا للنشر فى دار نشر خاصة، هذا المنفسن قد يكون فى الأصل كاتبا ما أو شاعرا، لكن إخفاقه فى الكتابة جعلته يرضى بهذه الوظيفة السلطوية التى تجعله يضع ساقا على ساق فى وجه المبدعين.
وبحكم كونه مستشارا للنشر يمارس النفسنة بأكثر من طريقة، فهو يبدأ أولا بمحاولة رفض الإبداع الحقيقى والتحجج بأى حجة تدعم رفضه، والحجج كثيرة، منها مثلا أن القصيدة تسىء للذات الإلهية، أو الرواية بها مشاهد جنسية خادشة للحياء، أو كئيبة أو حزينة أو ..أو.
وإذا ما أخفقت هذه الطريقة – وهى فى العادة لا تخفق – يبدأ فى إحباط المبدع بمحاصرته بالكثير من المغالطات فى نصه الأدبى، ويكبله بطلبات لتغيير فقرات أو تعديل عناوين، وإذا ما أنصاع المبدع – وهو فى هذه الحالة لا يكون مبدعا – يستخدم معه ثالث طرق النفسنة وهى تسويف ميعاد النشر، فيظل يماطله ويؤجل نشر العمل حتى يموت صاحبنا بحسرته دون أن يرى عمله مطبوعا.
ملحوظة : أرجو ألا تكون واحدا من الثلاث وتنفسن على كاتب هذا المقال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة