محمد حمدى

علمانى.. أعوذ بالله!

الأربعاء، 13 مايو 2009 01:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وأنا تلميذ فى مدرسة المحلة الكبرى الثانوية فى عام 1979، استدعانا المدير الإدارى للمدرسة باعتبارنا نتكلم فى السياسة، وبادرنا بالقول" أنا عارفكم.. أنتم شيوعيون.. وحين نفينا قال : يبقى شيعة من بتوع الخومينى"!.. وبعد ثلاثين عاما على هذه الواقعة لا يزال بعض الناس فى هذا البلد يتعاملون مع العلمانية باعتبارها كفراً والعياذ بالله. وكلما كتبت مقالا يدعو لحرية العقل فى التفكير أجد التهمة الجاهزة: يا علمانى .. استغفر الله!

كلنا نستغفر الله ليل نهار وندعو له مخلصين أن يغفر لنا خطيانا، لكن على حد علمى المتواضع لم أعرف أن العلمانية ديانة بشرية جديدة تنكر وجود الله، مما يستدعى اتهام الناس بها وطلب توبتهم وربما تفريقهم عن زوجاتهم أو تطبيق حد الردة عليهم.

العلمانية كما أفهمها هى حرية العقل والتفكير، وقد قرأت مقالا للأستاذ راشد الغنوشى فى العدد الأخير من مجلة "المنار الجديد" التى يرأس تحريرها إسلامى مستنير هو الصديق جمال سلطان، والأستاذ راشد الغنوشى للإخوة الإسلاميين الذين لا يعرفونه هو رئيس حركة النهضة التونسية الإسلامية وأحد رموز تيار الإسلام السياسى فى العالم العربى، ويحمل مقال الغنوشى عنوان "الإسلام والعلمانية"، وقد رأيت الاستناد إليه لعله يقنع بعض المتشككين فى أننا، أى العلمانيين، لا نزال على ديننا ولم نكفر بعد ولا نحتاج لمن يدعونا للتوبة والاستغفار، والله أعلم.

يقول الأستاذ راشد الغنوشى: "يمكن اعتبار التمييز بين منظور علمانى جزئى وآخر شمولى تمييزا إجرائيا نافعا، لأنه يتيح لنا تجنب إطلاق حكم عام على مفهوم يبدو لأول وهلة واحدا، لكن عند فحصه يبرز تعدد سياقاته، حتى أن الدكتور عبد الوهاب المسيرى ذهب إلى قبول العلمانية الجزئية المؤمنة.. كما أن العلمانية بوصفها بحثا حرا عن الحقيقة، لا قيود فيه على العقل، ولا على التجربة والاستقصاء غير ما يفرضه العقل على نفسه من قيود منهجية ومن احترام لإنسانية الإنسان، العلمانية هذه بصفتها حرية مطلقة للعقل فى البحث والنظر والتجربة لا يعترضها من مصادر الإسلام معترض".

ويضيف الغنوشى: "بهذا المعنى يمكن أن تجد العلمانية الجزئية لنفسها مكانا فى تصور إسلامى اعترف بنوع من التمايز بين المجال السياسى بما هو شأن دنيوى يدور على جلب المصالح ودرء المفاسد، وبين المجال الدينى وبالخصوص التعبدى مما لا سبيل إليه فى كلياته وجزئياته غير سبيل الوحى من عقائد وشعائر وأخلاقيات ومقاصد".

ونخلص من كلام الأستاذ راشد الغنوشى أنه ميز بين نوعين من العلمانية، الأولى كلية تجاوزت مستواها الإجرائى الذى بدأت به متمثلا فى حرية العقل وفى الفصل بين الدين والدولة إلى العلمانية الشاملة التى طردت المقدس والدين من كل نشاط اجتماعى أو خلقى، والنوع الثانى أى العلمانية الجزئية التى تعمل العقل ولا تنكر الدين.

ولمن يريد الاستزادة من المقال فهو موجود على موقع مجلة "المنار الجديد" على الإنترنت، كما أن العدد الورقى موجود فى المكتبات ولدى باعة الصحف، وما جاء فيه يثبت بلا شك أن لدينا تيارا إسلاميا مستنيرا يحاول فهم الظواهر السياسية والاقتصادية التى تسود العالم، والتعامل مع جوانبها الإيجابية، والتغاضى عن آثارها السلبية.

وفى موضوع العلمانية على وجه الخصوص، يبدو أنه لا مانع أبدا من اتباع أفكار تؤمن بحرية العقل فى المعرفة والاجتهاد، لكنها لا تسقط الدين من الحياة خاصة فى أمور العبادات والأخلاق وغيرها، أما السياسة فهى من الأمور الوضعية التى تحتاج إلى اجتهاد عقلى، تتنوع فيه الآراء وتتعدد الاجتهادات ويختلف الناس دون تحريم أو تحليل، طالما لم يتطرق الأمر إلى أصول العقيدة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة