انتصر الرسول عليه الصلاة والسلام لحقوق المستضعفين من الناس الذين كانوا يداسون بالأقدام من العبيد والنساء والصغار، وأعاد الحقوق إلى أصحابها وأتى بحق الميراث للنساء، بعد أن كن لا يرثن من أبائهن، وعمل على إذابة الفروق بين الأبناء وأعطى لكل منهم نصيبه من ميراث أبيه كما جاء فى القرآن، لأنه جاء برسالة إصلاحية ليبرالية بمسميات هذا الزمان فلم يوجه دعوته أولا لعلية القوم ثم يحصد قبول العامة للرسالة كمحصلة لدعوة الصفوة. وكانت رسالة رسول الله عليه الصلاة والسلام تهدف لنشر الحرية والكرامة لبنى الإنسان جميعا، على اختلاف ألوانهم وجلودهم، فكانت رسالته تخاطب الإنسان من كونه إنسانا بغض النظر عن أصله ولونه وبيئته- ولو كان غير مرسل وغير موحى إليه- لخاطب النخبة والصفوة واحتمى بطبقة الأسياد.
بل كانت دعوته لنصرة المستضعفين مما أثار حفيظة علية القوم عليه فهو لم يسر على هواهم لأنهم وزعوا الناس على طبقات عليا ووسطى وسفلى. ولكنه وهو- الرحمة المهداة- لم يبال بهم وانتصر وبكل عزيمة وإصرار انتصر للمستضعفين ليس فقط من بنى قومه ولكن للأقوام جميعا. فتولى بنفسه بناء مجتمع نموذجى ليكون نبراسا للعالمين، فأحدث نقلة نوعية فى الوسط النخبوى، فأشرف على تربية عناصره رجالا ونساء، ليتولوا قيادة وتوجيه المجتمع بعده من كل فئة ومن كل جنس ومن كل عمر.
وعلى رأس تلك التوجيهات المشاركة والإسهام فى صنع الرأى العام الفكرى بأنواعه، السياسى والاقتصادى والاجتماعى، فكانت الوثبة العملاقة فى تغيير مجتمع راديكالى متصلب لايقبل التغيير، ولو فى أبسط أنماطه السلوكية الحياتية اليومية. إن وجود العنصر النسائى فى وسط النخبة -الصفوة- لم يكن فقط من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كان موجوداً فى العصر الجاهلى قبل الإسلام فلقد كان للمرأة فى العصر الجاهلى حضورا فى وسط النخبة(السادة)، غير أنها لم يكن لها موقع إيجابى مؤثر فى وسط العامة الفقراء والعبيد (الإماء).
لم يتجاهل النبى "ص" موقع المرأة فى الطبقات العليا الثرية، بل على العكس تماماً، أقر وجوده وأهميته ولكن صحح مساره، فاقتلع جذور المعتقدات والأفكار الجاهلية والعنصرية الفاسدة، واستبدل بها ما أوحى إليه من ربه، من عدل ومساواة وعدم تفاضل لأى طبقة على أخرى، بل ولأى جنس على آخر، نعم كان هناك تمايز ولكن لم ولن يكن فى الإسلام وجودا لفكرة التمييز، وكما قال الله تعالى فى الآية الكريمة ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) النساء الآية 34
إن المفاضلة فى الآية متبادلة هناك تفضيل لكل منهم على الآخر وهو تأكيد لمفهوم الرسالة الإسلامية العالمية فى توضيح بعبقرية لفكرة المساواة والعدل. إن الدور الذى قامت به المرأة فى صدر الإسلام هو بداية حركة تحرير المرأة فى العالم الإسلامى كله، وكنموذج للمرأة الناضجة المثقفة الثرية نجد السيدة خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) نموذجا متفردا بكل مواصفاته والدور الذى قامت به فى الدعوة الإسلامية ومساندة الرسول والمسلمين من أول لحظات الوحى حتى عام وفاتها يصبح ويسمى عام الحزن، الحزن العام للأمة الإسلامية، لا الحزن الخاص للرسول عليه الصلاة والسلام لأنها كانت تقف كالطود الشامخ فى مساندة الدعوة ماديا ومعنويا.
وكنموذج للمرأة الشابة يأتى نموذج السيدة أسماء بنت أبى بكر(رضى الله عنهما) فى المشروع المحورى لنجاح الدعوة الإسلامية التى تؤتمن على السر، وتساهم فى إنجاح المشروع بروح الشباب الجريئة المؤمنة بالتغيير والطامحة إليه والمصرة عليه. أقر الإسلام الفطرة التى خلقت عليها المرأة فطرة الإنسانية ذات العقل والإدراك والفهم فهى ذات مسئولية مستقلة عن مسئولية الرجل مسئولة عن نفسها وعن عبادتها وعن بيتها وعن جماعتها قال الله تعالى "فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" آل عمران.
فيعرف كيف سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضا من الرجل وكيف حد من طغيان الرجل فجعله بعضا من المرأة وليس فى الإمكان ما يؤدى به معنى المساواة أوضح ولا أسهل من هذه الكلمة التى تفيض فى طبيعة الرجل والمرأة والتى تتجلى فى حياتهما المشتركة دون تفاضل أو سلطان كما قال الله تعالى "للرجال نصيب مما كسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"النساء 32.
إن حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة فى الإسلام أنها علاقة تكاملية بمعنى أن كلاً منهما يكمل الآخر وليست علاقة تنافسية أو عدائية كما هى فى الغرب، لأن الإسلام يخص تلك العلاقة بهالة مقدسة وجعل الله من علاقة الرجل بالمرأة آية من آيات خلقه وكما قال عز وجل )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها( الروم: 21.
فالإسلام ينظر إلى الرجل والمرأة على أنهما شئ واحد هو الإنسان، وأن هذا الإنسان جنسان متكاملان هما الرجل والمرأة، وأنهما ليسا متساويين فى التكوين والقدرات، وبالتالى فيستحيل أن يتساويا فى الحقوق والواجبات، وإن من حكمة الله الخالق جل وعلا أنه لم يجعل الاختلاف بين الرجل والمرأة فى التكوين الجسمى والنفسى اختلاف تضاد، بل جعله اختلاف تكامل، وكذلك فإن بقاء الجنسين فى هذه الحياة لا يكون إلا عن طريق هذا التكامل، ولو استقل كل منهما عن الآخر ليكون منافساً له لفنت البشرية وانقرضت، وانتهت الحياة.
إن فلسفة العلاقة بين الرجل والمرأة فى الإسلام فلسفة تفاضلية وتكاملية نفهم من ذلك أن العلاقة فى أبسط صورة علاقة ثابتة ولكن تنتج عنها متغيرات إن كل من الرجل والمرأة إنسان مكلف فى الإسلام، ولكن وظيفة كل منهما فى الحياة تختلف باختلاف طبيعته الجسمانية والنفسانية، واختلاف إمكاناته الفطرية التى فطره الله عليها.
مازال الكثير من المجتمع العربى الأصلى والمهاجر محكوما بقوة الرجل المزهوة بالتسلط، مازال الرجل العربى يربط رجولته بمدى تقليله من أهمية وقيمة المرأة وتعاليه عليها، فكلما استهزأ من إثباتها لذاتها، وتفانيها فى الاعتداد بشخصيتها كان فى نظر نفسه الأعلى مكانة، والسيد الذى لا يشق له غبار. فمتى نراه مكرما لزوجته حدوبا عليها محترما لها ولإمكاناتها ولضعفها، كما هى تتفانى فى الارتفاع عن هفواته وهناته ونقائصه .
متى يتحدث عنها فى الباطن والعلن رافعا صوته بكلمة "الامتنان" مقدرا للمرأة العربية أخلاقها وإخلاصها وتدبريها لأمور بيتها وتقديرها لظروف زوجها وتفانيها فى رعاية أبنائها وتفردها عن كل نساء العالم بأنها النموذج الأوحد من نساء العالمين التى لاتسعى إلى مجد شخصى وإن سعت يكون هدفها من أجل إعلاء قيمة أبنائها، بل وأكثر من ذلك هى تنظر لتحقيق أى نجاح خاص بها على أنه تحقيق نجاح للعائلة بأسرها . الإسلام دين واضح ومحدد فى كل شئ وكل فرد من خلال الإسلام يعرف دوره وحقوقه وواجباته. لكن المشكلة الكبرى بل الكارثة هو ما يعتقده بعض المسلمين أنه من الإسلام وهو محض عادات أو أعراف أو بيئات.
إننا فى مجتمعاتنا العربية أكثر حساسية وأسرع فى رد الفعل على الألم الذى يسببه الآخر، أى ذلك العدو الخارجى، فى حين تعودنا التزام الصمت عن الألم النابع من داخلنا. إننا مجتمعات لا تستطيع أن تنظر لذاتها إلا للتباهى والتفاخر بالأجداد والآباء، ونحن فى حاجة دائمة إلى ذلك الآخر لنلبسه معطف همومنا، والهروب الكبير والمستمر من مواجهة مشاكلنا إننا أكثر ضعفا أمام أنفسنا من ضعفنا أمام من نرى أنهم أعداؤنا..!! من أين نبدأ الإصلاح؟! فمن يعلق الجرس، ويصرخ بقوة: "رفقاً بالقوارير" " خيركم خيركم لأهله".. "ما أهانهن إلا لئيم ولا أكرمهن إلا كريم".
من يعلق الجرس؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة