مدحت بشاى

جامعات خارج السياق!!

الثلاثاء، 12 مايو 2009 07:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى لقاء مع نائب رئيس جامعة كبرى حكيت له عن مقابلة صحفية أجراها بمهنية عالية الكاتب الصحفى الكبير صبرى أبو المجد مع رؤساء الجامعات الموجودة عام 1954 حول سؤال رئيسى.. ما أهم المشاكل التى تعترض منظومة التعليم الجامعى؟.. فكانت الإجابة.. أهم المشاكل يمكن إيجازها فى الزيادة الهائلة فى أعداد الطلاب التى باتت فوق طاقة إمكانيات الجامعات (سعة المدرجات وأعدادها وتجهيزات المعامل والورش والمكتبات وقاعات الندوات والأنشطة الثقافية والفنية والرياضية .. إلخ)، وتحدثوا أيضاً عن الإقبال على الدراسات الأدبية والتراجع عن دراسة المواد العلمية، وأشار رؤساء الجامعات إلى تراجع الأداء الجامعى فى مجال البحوث والابتعاث.. إلخ، وسألت رئيس الجامعة.. ألا ترى أن المشاكل التى عرضها رؤساء الجامعات هى المشاكل نفسها التى تعانون منها الآن فى إدارتكم رغم مرور أكثر من نصف قرن من الزمان ؟!.. وفى إجابة سريعة ودون لحظة تفكير أو توقف لإبداء الدهشة قال الرجل "ده شىء هايل وكويس إن المشاكل هى هى رغم تضاعف الأعداد وتراجع ظروف الإتاحة المقبولة.. ولأننى كنت أنتظر أى إجابة متوقعة غير التى سمعتها ذهبت بالسؤال والإجابة للدكتور هانى هلال فكانت المفاجأة تأييد ما جاء على لسان نائب رئيس الجامعة.. ولم يتبق لى سوى سؤال واحد هل قام حقا كل وزراء ورؤساء الجامعات خلال خمس حقب من الزمان بدورهم المأمول لتجاوز هذا القدر من السلبيات؟!..

لقد كانت الإجابة كفيلة بالرد على هؤلاء أصحاب دعاوى النكد والتشاؤم عندما أقاموا الدنيا وثاروا فور إعلان خروج جامعاتنا الأسبوع الماضى فى دورة جديدة من التصنيف العالمى ضمن خمسمائة جامعة هى الأفضل.. وأنا بدورى أسألهم لماذا لا تقدرون أن حال جامعاتنا لم يتدهور رغم مرور أكثر من 50 سنة ؟!!

شىء عجيب ومثير أمر ما يحدث فى جامعاتنا من أحداث، والتى يرى الخبراء أنه ما كان يجب أن نراه فى بيوت العلم والمعرفة والبحث.. والأكثر غرابة إعلان إنشاء هيئة للجودة وضمان الاعتماد، واعتبار قرار تشغيلها إنجاز عبقرى سيعبر بالجامعات من نظم العمل العشوائية إلى نظم الجودة العالمية.. وأعتذر إذ أكرر ما قاله الكثير من الباحثين وأساتذة الجامعات والعديد من التربويين والمفكرين إننا فى حاجة لأن تعود جامعاتنا إلى دورها العلمى والتعليمى والتنويرى والحضارى لكى نعيش من جديد زمن حصاد الجودة والوفرة العلمية فى زمن الريادة العلمية، أما حكاية الجودة وأحكامها فإننى اعتبرها فى النهاية "سبوبة" لزيادة دخل الأستاذ الجامعى ونخبة من القيادات المرشحة لإدارة مشاريع الجودة وتنفيذ برامجها..

إننى أقدر صراحة عميدة كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة عندما أبدت دهشتها من حكاية الجودة فى جامعات أمامها الكثير قبل التفكير فى حدوتة الجودة ..

وليسمح لى من يتبنون تلك الأفكار التقدمية أن أطرح عليهم الأسئلة التالية :
1) كيف يمكن تطبيق نظم الجودة فى ظل وجود هذه الأعداد الهائلة للطلاب.. أى جودة تلك؟!!

2)كيف يمكن أن يتم اختراع نظام جودة وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص بين جامعات العاصمة العريقة فى النشأة والخبرات العلمية وجامعات إقليمية حديثة النشأة.. بين جامعات حكومية مستقرة ونمطية الأداء وأخرى خاصة وثالثة خاصة تابعة لنظم أمريكية وبريطانية وصينية ويابانية وفرنسية... إلخ ؟

3)ما هى الضمانات الحاكمة والضوابط الصارمة لتفعيل نظم الجودة دون أن يتسرب لها بذور الفساد حتى يحدث لجامعاتنا ما حدث لبعض شركاتنا الخاصة والعامة فى سبيل الحصول على شهادات للجودة تُشترى بعضها أو يتم إعداد أوراق يتم استيفاء مطالبها على الورق وإيداعها ملفات مرتبة بعبقرية للحصول على صك الجودة وبراءة الاعتماد "بفهلوة" مصرية شديدة التميز والخبرة؟!

4)ومن يضمن استمرارية تفعيل نظم الجودة بعد الحصول على الشهادة وتثبيتها فى إطار ذهبى كلاسيكى جميل فى غرف عمداء الكليات، وإقامة الحفلات وتسليم الدروع التذكارية وتكريم القيادات المعملية الفذة من أصحاب الفضل عبر مؤتمرات صحفية حاشدة.. إننا نعتمد فى تشغيل جامعاتنا (شأنها شأن العديد من المؤسسات الحكومية التقليدية) على أفراد وقيادات إذا صلحوا صلحت مواقعهم وإذا فسدوا وتاهوا توهوا مؤسساتهم، فغياب العمل المؤسساتى ووجود خطط استراتيجية وأهداف يجمع عليها أصحاب المصلحة فى التطوير لا يضمن أى استقرار أو استمرار حالة النجاح ؟

5)أى نظم جودة ولدينا رؤساء جامعات لهم قناعات أن الجامعة أستاذ وطالب وفقط، حتى كان إهمال وتجاهل عناصر العمل الجامعى الأخرى التى تدير شئون الجامعة وترعى مصالح شبابنا فى نظم القبول وتنمية المواهب الثقافية والفنية والرياضية وإدارة المكتبات والمعامل والمختبرات وإدارة أعمال الامتحانات والحفاظ على أمن المنشآت وعلاج المرضى على مدى سنين طويلة وعبر واقع ممتد.. حتى أن جامعة كبرى عتيدة أدرك رئيسها الجديد فجأة تراجع وتدنى مستوى الإدارة من وجهة نظره، وعليه قرر تعيين قيادة عليا من خارج الجامعة أميناً عاماً لها (لأول مرة فى تاريخ الجامعات) رغم أن هذه المناصب الجامعية تتطلب خبرات من نوع خاص جداً عبر الوجود فى الحرم الجامعى وملامسة خصوصية تلك المؤسسات بالممارسة اليومية، ويضطر رئيس الجامعة ـ والتمس له العذرـ إلى إحباط أحلام طابور الموظفين الواقف فى ترقب الحصول على ذلك المنصب الرفيع لافتقاد الجامعة لكوادر مؤهلة صالحة بعد فترة طويلة من تغييب وإهمال دور الموظفين لتسييد المفهوم القاصر أن الجامعة أستاذ وطالب فقط !!!

6) أى جودة وجامعاتنا يتم فيها استثمار حالة الانفتاح الديمقراطى والسماح بحرية التعبير لتشكيل قوى معارضة فتكون المفاجأة أن يقتصر عمل تلك القوى وأهدافها على رفض الحرس والأمن الجامعى والسعى لزيادة رواتب الأساتذة (الأساتذة فقط) فى جهل واضح بدور إدارات الجامعة فى دعم دور الأستاذ فى المدرج والمكتبة والمعمل وشئون الكادر العام والخاص والملاعب والمسارح، وعليه حصل رواد الأنشطة مقابل توقيعهم على مذكرات تنظيم الأنشطة على مبالغ شهرية إضافية تعادل مرتباتهم مع مكافآت ضخمة عن كل إنجاز وعقب كل نشاط قام بتنفيذه الموظف المسكين بخبرة وتخصص لا يدرى من أمره الأستاذ الرائد أى معلومات أو خبرات بدائية فنية أو إدارية عبر اختيارات غبية قد يدعمها تبادل المصالح والمجاملات.. رائد للنشاط الفنى أستاذ أمراض جلدية وأستاذ حشرات للنشاط الرياضى وهكذا.. إنها معارضة غائبة عن الوعى بما يجرى فى جامعاتهم.. إن وجود الشرطة فى الجامعة ضرورى لمقاومة الحريق وإغاثة طالب النجدة والحفاظ على أمن المنشآت والأمن العام للجامعات.. إلخ.

الأزمة يا زعماء حركات المقاومة العصرية فى غياب قيادات جامعية قادرة بوعى وخبرة سياسية بأهمية دور الأستاذ الجامعى فى مدرجات العلم ومعامل البحث والتجريب، وأيضا فى قاعات الحوار الثقافى ومسارح الإبداع وملاعب التنافس الرياضى الجميل.. لقد تركتم يا زعماء المقاومة قيادة جامعية تقيم أسبوعاً لفتيات الجامعات فقط عبر نظرة شديدة التراجع لم يكن يتوقعها أو يطالب بها أشد قوى التخلف أن تحدث فى جامعات ونحن نستقبل الألفية الثالثة ولدينا جامعة تجاوز عمرها قرن من الزمان!!!

7)أى جودة فى جامعات يجلس فيها القيادات مع وكلاء المطربين للاتفاق على حفلات كان المأمول أن يقيمها شباب الجامعات من الموهوبين بأنفسهم فى تلك الاحتفاليات الدورية بدلا من تأجير مطربين لا يمكن تقديمهم كمثل ونموذج جيد للموهبة (بحبك يا حمار على مسرح جامعة بها مركز الدكتور غنيم العالمى القيمة الذى يديره بوطنية وانتماء غير مسبوق ونجاح علمى رائع !!!).. وفرق موسيقية قد يتم استقدامها من ملاهى شارع الهرم أو محلات شارع محمد على للعزف خلف طلبة وطالبات الجامعات من المطربين والمطربات الهواة كنظام معتمد فى كل مسابقات الجامعات برضا وموافقة القيادات بدعوى صعوبة تشكيل فرق موسيقية تساند من يشدو ويطرب من الشباب، ولتذهب القيم التربوية وإجراءات الحرص على دعم مواهب الشباب إلى الجحيم!!!

8)أى جودة ننشدها فى جامعات أصبح بها أساتذة يحملون حقائب السفر للتدريس فى العديد من الجامعات الخاصة والإقليمية، فإذا ما انتهت رحلاتهم كانوا على موعد مع طلاب الدروس الخصوصية والظهور على الفضائيات للحديث عن جودة التعليم؟!!

9)أى جودة فى جامعات لا ترتبط مراكزها البحثية العلمية بخدمة مجتمعاتها المحيطة، وحل مشاكل بنيها؟!

10)أى جودة فى جامعات لا تدعم حرية البحث العلمى والأكاديمى والدفاع عن حرية المجتهدين.. لقد حدث منذ سنوات قليلة أن قام رئيس جامعة أسبق هو وعميد كلية ينتسب إليها باحث شهير بالمشاركة فى اتهامه بالكفر وتقديمه لأعداء العمل العلمى لينهالوا عليه بمعاول الاتهام بالخروج عن أصول العقائد، لغسل الأيادى من جريمة التخلى عنه، فكان حكم التفريق بين الباحث وزوجته وسفر الرجل لبلاد الفرنجة لنفتقد متابعة أفكاره وإسهاماته الثقافية المتنوعة الثرية بقرار من جامعة عتيدة.. رحم الله أحمد لطفى السيد رئيس الجامعة الأم فى الزمن الطيب الذى دافع عن د. طه حسين، وعن حقه فى الاختلاف والاجتهاد كباحث وعالم..

نعم مصر لن ينضب معينها، ولكننا بالفعل نرى كرسيه شاغراً حتى الآن!!! تلك مجرد إشارات سريعة إلى واقع صعب نعيشه فى جامعاتنا، ونأمل تغييره أولاُ قبل إنفاق الملايين وإهدارها على حلم تحقيق الجودة فى مناخ غير مؤهل لاستقبال وتفعيل نظم أى جودة..





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة