وصفت صحيفة الجارديان البريطانية، اختيار الرئيس الأمريكى باراك أوباما لمصر ليوجه منها خطابه إلى العالم الإسلامى، بأنها ضربة للديمقراطية. وقالت الصحيفة، فى مقال رأى كتبه الكاتب الأمريكى من أصل باكستانى، وجهات على، إنه باختياره العاصمة المصرية القاهرة، منبراً للإدلاء بخطابه الذى طال انتظاره للعالم الإسلامى، يمكن التنبؤ بأن الرئيس الأمريكى باراك أوباما سيعول على ديكتاتورية خانقة، فى دولة تتأرجح نحو عدم الاستقرار السياسى.
ويرى الكاتب أن النظام الاستبدادى "الوحشى" للرئيس حسنى مبارك، والمستمر منذ ما يقرب من 30 عاماً، يمثل عبئاً ثقيلاً على الشعب الغاضب والمتعب، الذى تحولت بلاده من منارة سابقة للقومية العربية إلى أداة مخلصة للسياسات الموالية للغرب والمناهضة للديمقراطية.
وربما كانت تركيا التى زارها أوباما الشهر الماضى هى المكان الأكثر مثالية وفعالية، بفضل نجاحها فى تحقيق التوافق بين الإسلام والديمقراطية العلمانية، ودليل على ذلك انتخاب حزب العدالة والتنمية للحكم وهو حزب سياسى معتدل، موالٍ للغرب وله ميول إسلامية، كما كان بإمكان أوباما أن يختار إندونيسيا، أكبر دول العالم الإسلامى من حيث السكان، والتى شهدت مؤخراً انتخابات حرة رفض فيها المواطنون الأحزاب اليمينة، والأحزاب الإسلامية المحافظة، مقابل تأييد الأحزاب المعتدلة وغير الطائفية.
ويقول الكاتب، إن الخطاب الذى سيلقيه أوباما بالقاهرة فى يونيو المقبل، هو ثالث خطاب يوجهه إلى العالم الإسلامى، سعياً نحو الشراكة والمصالحة مع المسلمين الذين أنهكتهم سياسات جورج بوش المهينة، والتى تتعلق بالحرب على الإرهاب، وكذلك سياسته الانقسامية السامة، وفى أول مقابلة له مع قناة العربية، قال أوباما إن مهمته تقوم على أن يفهم العالم الإسلامى أن الأمريكيين ليسوا أعداءهم.
ومع ذلك، فإن اختيار أوباما لمصر يحمل تأييداً ضمنياً وتثبيتاً لنظام مبارك "الديكتاتورى"، ويؤكد على صورة الولايات المتحدة فى العالم الإسلامى بأنها تسعى فقط إلى تلبية مصالحها السياسية بدلاً من العمل على التحول الديمقراطى فى المنطقة وتأييد الاستقلال الذاتى وحق شعوب العالم العربى والإسلامى فى تقرير مصيرهم. فخلال الزيارة التى قام بها إلى مصر الأسبوع الماضى، أكد وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس على أن المعونة الامريكية السنوية لمصر، والتى تقدر بمليارى دولار ستستمر، ومن ثم أكد على أن مكانة مصر كواحدة من حلفاء الولايات المتحدة المقربين، والمتلقين للمعونات المادية.
هذه المعونات تتدفق سنوياً على الرغم من الحملة الوحشية للحكومة المصرية على المعارضة السياسية، والصحافة الحرة والمعارضين وحتى المدونيين المنتقدين لها والذين يتراوح عقابهم ما بين التعرض للمضايقات والاعتقالات والتعذيب والاختفاء الغامض. فعلى سبيل المثال، المدون المسيحى هانى نظير عزيز سلم نفسه للحكومة بعد أن ألقت أجهزة الأمن على اثنين من أشقائه واستخدموهما كرهائن، مما أجبره على تسليم نفسه. ويستمر كاتب المقال فى الهجوم على مصر، قائلاً "إن مصر ومعها سوريا متخصصتان فى التعذيب، وبذلك تستطيع الولايات المتحدة أن تتجاوز بسهولة القوانين والإجراءات القانونية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فممدوح حبيب، والذى أرسل فى نهاية المطاف إلى معتقل جوانتانامو، أرسلته الولايات المتحدة إلى مصر، حيث قال إنه تعرض لتعذيب وحشى بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست".
وينهى الكاتب مقاله بأنه إذا كان أوباما صادقاً فى التعامل مع المسلمين كشركاء ويتواصل معهم على أساس الاحترام المتبادل، فإن هذه الكلمات الجميلة للغاية ينبغى أن توحى بسياسات إصلاحية شرعية أيضا. أولا، ينبغى على أوباما أن يستخدم هذه الفرصة ليتعاطف مع مخاوف الشعب المصرى، ويستنكر الجرائم القمعية البشعة وسلوك المستبدين المتعصبين مثل مبارك والعائلة المالكة فى السعودية. ثانيا، لابد له من تنفيذ مبادرة سياسية طويلة المدى تغذى ظهور الأحزاب الديمقراطية النابضة بالحياة وتمثل صوت الشعب فى جميع أنحاء الشرق الأوسط وخاصة فى مصر التى عانت من التعثر بسبب شلل الاقتصاد الوطنى وعقود الديكتاتورية الوحشية. وعلى الرغم من صمت أوباما المخزى على العدوان الإسرائيلى على غزة، وسياسته التى أصابت المسلمين بالإحباط فى باكستان، إلا أن كلماته عن المصالحة والاحترام لا تزال تثير التفاؤل لدى المصريين والمسلمين الذين لا يوجد لديهم الآن سوى الأمل فى عصر جديد من العلاقات الأمريكية المتغيرة والمستنيرة مع الشرق الأوسط، لا تعتمد على الديكتاتورية والخضوع.
