الروشنة وتتبع أحدث خطوط الموضة وتعرية الخفى وإظهار المستخبى عن طريق ارتداء البديهات والبنطلونات المحزقة والملزقة وچلچلة الشعر "للشباب الأمور الذى أصبح من الصعب أن تفرق بينه وبين الفتيات"، طحن المتاح من المتع والتنفيض لنصائح وحكم الكبار والانغماس فى الحوارات المحرمة مع الجنس اللطيف والغرق فى بحر النظرات واللمسات الساخنة والزواج العرفى، سواء كان بالكاسيت أو بالدم أو حتى مكتوب على ورقة صغيرة على شكل قلب وقائمة كبيرة أخرى من هذه المصائب والألفاظ لا يستطيع مثلى إحصاءها تحولت كلها بقدرة قادر إلى سلوكيات وقيم وألفاظ تعمقت فى نفوس شباب وفتيات أمتنا.
وأمام هذه الحالات المستعصية تقف مجتمعاتنا والآباء والأمهات فرقاً عدة، أولها اكتفى بصب اللعنات على الجيل الحالى ورفع يده للسماء بالدعاء لهم بالهداية أو أخذهم أخذ عزيز مقتدر ثم ألقى بهم إلى سلة نسيانه واكتفوا "بعلف" أجساد أبنائهم بألذ الأطعمة، معتقدين أنهم يقومون بدورهم المنوط بهم، أما الفريق الثانى فقد اتخذ موقف العداء وأعلن الأحكام العرفية لمصادرة حياتهم حتى تربى أبناؤهم على النفاق والمواراة، فمظهرهم فى البيت شىء يخالف كل المخالفة لواقعهم الحياتى، ولعل ما تنشره الصحف فى مختلف الدول العربية عن انزلاق أبناء عائلات كبيرة ومحافظة فى دوامات الزواج العرفى والعلاقات المحرمة لخير دليل على ذلك ولا نستطيع أن نتناسى فريق ثالث رفع الراية البيضاء، بل وشجع أبناءه على الانغماس فى الحياة الشبابية التى من وجهة نظرهم واقع لابد من الرضوخ له، بل منهم من يشجع أبناءه على أن يستغل شبابه فى الحياة "اللارج" مقتنعاً بأنهم لابد أن يتخلصوا من عقد وتشديدات الماضى.
وفى بحر المعالجات السابقة غرقت سفينة شبابنا فى بحر لجى وظلمات بعضها فوق بعض حتى أصبحوا لا يفرقون بين عدو أو حبيب وأمام هذا الوضع الصعب وعند مفترق الطرق لابد أن نطرح على أنفسنا أسئلة هامة وعلينا أن نجيب عليها فرادى وجماعات والعاقل من شبابنا ومنها الحل الذى وصل إليه شبابنا كيف وصلوا إليه؟ ومن المستفيد من وضعهم الحالي؟.
وهل بالفعل قامت أسرنا ومجتمعاتنا بدورها المنوط بها لإنقاذهم بل نقول لإنقاذ مستقبل أمتنا، بل هل الحكومات ومؤسسات المجتمع المدنى فى مختلف دول أمتنا استشعرت بمسئوليتها نحو إنقاذ هذا الشباب من حالة التغريب والتيه التى يعيشها، ومن هنا علينا جميعا أن نضع أيدينا على أسباب الضياع الذى اغتصب شباب شبابنا ودمره وإيجاد الحلول للخروج من هذا النفق الحالكة ظلمته حقائق وتغريب.
وإذا أردنا أن نتعرف على الأسباب الحقيقية لما وصل له واقع شبابنا لابد نعترف جميعاً أن هذا ليس من باب الصدفة، بل هو مخطط تغريبى دبر له بليل، لأن أعداء أمتنا أيقنوا أن قوة أمتنا فى شبابها، فهم وقود أى تغيير كما أنهم محرك رئيسى فى رفع شأن أمتنا، وهذا نبينا الكريم يؤكد على دور الشباب، فيقول صلى الله عليه وسلم: نصرنى الشباب وخذلنى الشيوخ، بل لو رجعنا دور الشباب فى تاريخ أمتنا لعلمنا مدى عظمة هذا الدور، فهذا أسامة بن زيد يقود جيشاً به كبار الصحابة، وهذا صلاح الدين يبدأ جهاده منذ نعومة أظفاره وهذا محمد الفاتح يفتح القسطنطينية ولم يبلغ العشرين عاماً، بل يشهد تاريخ الدولة العباسية أن النهضة العلمية به كانت على يد شباب.
وها هم شباب فلسطين يفجرون انتفاضتهم ويتحدون أعتى آليات الحرب، فالأمثلة لا حصر لها وقد دفع هذا أعداءنا إلى التخطيط والتدبير لسلخ شبابنا من هويته ومنظومة أخلاقياتنا وقد بدأوا تنفيذ مخططاتهم منذ الحروب الصليبية ومع بداية تأسيس الدولة الإسلامية فى الأندلس واشتعلت نيرانها مع بداية حركة الاحتلال الغربى للدول الإسلامية فى مطلع القرن الثامن عشر ثم اكتملت فصولها مع هيمنة الأمريكان على العالم فى ظل العولمة والعلمانية اللعينة التى اجتاحت فى وجهها كل الثوابت والقيم، كما لابد أن نعترف أن من المسببات الرئيسية للواقع الأليم لشبابنا عزلهم عن ديننا الحنيف ووسطيته المعتدلة البعيدة كل البعد عن الغلو والتطرف والإرهاب، فها هم العلمانيون واليساريون يخرجون علينا بدعوات يستهدفون منها إبعاد شبابنا عن التدين بدعوى حمايتهم من السقوط فى براثن الإرهاب بل ويحاولون بمساعدة بعض أصحاب السلطة المتخوفين الذين تتملكهم فوبيا الإسلام السياسى، إغراق شبابنا فى قيم الغرب وفتح الأبواب على مصرعيها أمام التيارات الإباحية، متناسين أن فى ذلك هلاك أمتنا ومستقبلها.
ونحن لسنا ضد الاستفادة من الغرب فى تقدمهم فى شتى مجالات الحياة، بل لابد أن نكون حريصين كل الحرص على التفوق والتقدم والمنافسة الجادة فى المجالات العلمية، ولكن ما يحدث هو الانبهار بالإباحية القيمية والحرية المطلقة دون الاستفادة الفعلية بما أنجزه الغرب فى مجالات التكنولوجيا والتقدم، كما لابد أن نعترف أيضا بأن معالجتنا لواقع شبابنا بالأساليب سالفة الذكر كانت بعيدة كل البعد عن الصواب، فليس بالدعاء فقط وسيل الأمانى وعلف الأجساد ومصادرة وكبت حرياتهم أو الانغماس معهم فى غيهم وتشجيعهم عليه، ننقذ شبابنا كما لابد أن نعترف أن غول البطالة والفراغ الثقافى والفن الهابط والإعلام الفاسد والفضائيات الماجنة التى اعتمدت اعتمادا كليا على فتيات الأجساد العارية فى الكليبات العاهرة كانت من أسباب أعاصير التيه التى اجتاحت فى وجهها العاتى شبابنا، بل لابد أن نعترف أيضا أن فقدان شبابنا هويته ووطنيته وانتماءه جعلتهم كأشجار بلا جذور أصبح من السهل اقتلاعها بأضعف الرياح الفكرية التغريبية.
مشروع نهضوى قيمى
وليس من المنطق أن نضع أيدينا على أسباب المشكلة مكتفين بمعرفتها، لكن علينا أن نضع الحلول المناسبة لإخراج شبابنا من هذا الواقع المؤلم، وأرى أن الحل يكمن فى تبنى مجتمعاتنا ومؤسساتها المدنية مشروعاً نهضوياً قيمياً يبعث الأمل من جديد فى شبابنا ويعتمد على منظومة قيم ديننا الحنيف بوسطيته واعتداله حتى نبنى لديهم سياجاً عقائدياً أخلاقياً يحميهم من التيار الإباحى، ولا نقصد هنا الانغلاق وعدم الانفتاح على الآخر، بل سنجد، لو وصل شبابنا للتحصن بهذا السياج الأخلاقى، أنهم سينفتحون على نهضة الغرب من أجل الاستفادة منها وأيضا سيسعون للقيام بدورهم فى إنقاذ العالم من أوحال المادية وشهوات النفس المطلقة.
وعلى الآباء والأمهات التقرب من أبنائهم ومشاركتهم فى مشاكلهم وأفراحهم وأحزانهم، خاصة فى المرحلة السنية الحرجة التى يكون فيها شبابنا فى أمس الحاجة إلى التقويم القائم على الحب والديمقراطية لا بإرهاب الفكر أو مصادرة الرأى، بل بالحجة والإقناع والقدوة الحسنة، كما لابد أن يتضمن هذا المشروع تعميق فكرة الانتماء والوطنية حتى يكون لدى شبابنا جذور تربطه بتاريخه ووطنه، كما علينا جميعاً أن نضع نهاية لمسلسل البطالة التى تدفع شبابنا إلى الجحيم، خاصة فى الدول النامية، وذلك من خلال تكامل اقتصادى بين الدول العربية نستطيع من خلاله استغلال الإمكانيات المعطلة فى عالمنا الإسلامى والعربى وتوظيف القوى البشرية المتاحة، كما لابد أن يستشعر كل من يعمل فى مجال الإعلام المرئى أو المسموع أو المقروء عظمة دوره فى إنقاذ شبابنا، كما علينا جميعا أن نقف صفاً واحداً فى وجه أصحاب قنوات العرى والإباحية المسماة بالقنوات الغنائية، فعلى الكل مسئوليات جسام فى إقامة مثل هذا المشروع الذى هو أمل أمتنا فى إنقاذ شبابنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة