أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد صلاح

الطريق إلى مناهضة التمييز الدينى لا يتحقق عبر إقصاء كتاب التربية الإسلامية

احترام الإسلام أولا

الجمعة، 01 مايو 2009 01:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يمكن لكل الأفكار العظيمة عن إنهاء التمييز الدينى وعن الحرية والمساواة والعدالة أن تتجسد واقعا فعليا بين الناس إذا كان الدعاة لهذه الأفكار لا يتقنون لغة الناس ولا يفتشون بين المفردات الهائلة فى اللغة العربية عن المعانى المناسبة للحوار، ولا يجتهدون بحثا عن الأفكار الملائمة لمشاعر الملايين من المسلمين على أرض مصر.

ولا يمكن بأى حال أن تكون الدعوة لاحترام الأقليات الدينية، والسماح بحرية العقيدة فى المجتمع مرادفة للدعوة إلى تقليل احترام الدين الإسلامى فى المجتمع، أو مقترنة بالتسفيه من مشاعر الناس التى تحترم - إلى حد القداسة - كل ما يتعلق بالإسلام فى العادات والطقوس والتفاصيل اليومية، (شاء من شاء وأبى من أبى).

ما الذى يتصوره إذن هؤلاء الذين اختزلوا حربهم ضد التمييز الدينى فى المجتمع بدعوة بائسة لإلغاء مقررات التربية الدينية فى المدارس؟ وما الذى استقر فى ضمائرهم وهم يعتبرون أن حصص الدين فى المراحل الابتدائية والإعدادية مسئولة عن هذا التمييز الدينى، وعن الاحتقان الطائفى فى البلاد، كما ورد ضمن فعاليات مؤتمر مناهضة التمييز الدينى الذى انعقد مؤخرا فى حزب التجمع؟

هل راودتهم أحلامهم، مثلا، بأن إطلاق دعوة بهذا المستوى الصادم والخادش لإيمان العامة قد يؤدى إلى حشد تأييد مئات الآلاف من أولياء الأمور، للتظاهر أمام وزارة التربية والتعليم، لإلغاء حصص الدين الإسلامى من المدارس العامة؟ أم هل اعتبروا أن قسوتهم تلك على المشاعر الإيمانية البسيطة للناس (حتى إن كانت هذه المشاعر طقوسية وشكلية ولا ترتبط بجوهر العقيدة) هى الحل لإنهاء العنف الطائفى، المتكرر أحيانا فى البلاد؟

رغم اليقين بالنوايا الحسنة لهذه النخبة الساعية للدولة المدنية، فإن الحلول من هذا الصنف الفظ الغليظ تؤدى بلا جدال إلى هيمنة أجواء من الخصومة والقطيعة بين الناس، ومشروع الدولة المدنية، وتؤدى إلى انصراف الملايين من المؤمنين البسطاء عن الجوهر النبيل لمشروع (مواجهة التمييز الدينى) وهو ما يتعارض كلية مع المعنى الأسمى والأعظم لهذه الدعوة، كما أن هذه الأفكار الجامحة تؤدى إلى عزلة المثقفين من أنصار الدولة المدنية وحرية الفكر والاعتقاد مع الشرائح الشعبية المستهدفة من نضالهم الفكرى والقانونى والإعلامى نحو الحرية.

تصور أنت أنك تتحدث إلى مزارع مسلم من قلب الدلتا، أو إلى عامل من محدودى الدخل فى مصانع قصب السكر بالصعيد، أو إلى امرأة بدوية من أهل سيناء عن التسامح الدينى واحترام أصحاب العقائد المختلفة وعن أهمية القضاء على الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، أو بين المسلمين والبهائيين، أو بين السنة والشيعة، ثم تؤكد لكل هؤلاء وفى منتهى البساطة أن السبب فى غياب الوحدة الوطنية أن أبناءهم يتعلمون القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف وأخلاق الصحابة فى المدارس الابتدائية والإعدادية، وأنه فى الوقت الذى نبادر فيه إلى إلغاء هذه الكتب الدينية فى المدارس ستتحرك مصر قدما إلى الأمام وسنحصل جميعا على غاياتنا فى بلد حر وديمقراطى وبلا تمييز طائفى؟!

ما هكذا تورد الإبل! فلا هذه اللغة، ولا هذه الأفكار صالحة لأن يتفاعل معها المؤمنون من الناس الذين يعوضون فقرهم وجوعهم وهوانهم بما يحفظونه من القرآن، أو بما يربط على قلوبهم صبرا بكلام النبى صلى الله عليه وسلم، أو بما يرون عليه أبناءهم من الطاعة لله ولرسوله ولصحابته الكرام، وقد يتهور أحد المشاركين فى المؤتمر ليسأل غاضبا (ومن قال إننا نتوجه لهؤلاء البسطاء، فنحن نخاطب الدولة المسئولة عن حماية حرية الرأى والاعتقاد وفق الدستور والقانون؟)، وأؤكد لك مرة أخرى أن هذا سؤال متهور لأن أصدقاءنا وزملاءنا فى هذا المؤتمر يعرفون قطعا أن عشرات الجماعات والتيارات المتشددة لن تتردد فى تشويه صورة الدولة المدنية، وتلطيخ الفكرة النبيلة لمواجهة التمييز الدينى عبر إشعال روح الغيرة والثورة لدى البسطاء من المؤمنين حماية لمعتقداتهم وثوابتهم، ولن يبذلوا جهدا كبيرا لإقناعهم ببطلان هذه الأفكار (النخبوية الجامحة) بإدعاء أنها واردة من الغرب أو أنها جزء من (المسيرة الصليبية) لحصار الإسلام إلى الأبد.

الخطأ هنا إذن فى اختزال فكرة التمييز فى قضية حصص التربية الإسلامية فى المدارس، والخطأ الأكبر هو فى تجاهل المشاعر المسلمة والمسالمة التى قد تتأذى وهى ترى خروقات فكرية جامحة لأصحاب هذه الأطروحات المجافية لضمائر المسلمين فى مصر.
ثم والأهم، دعنى أسألك، من قال إن مناهج التربية الدينية هى التى تؤدى إلى هذه النتائج المريضة والطائفية فى المجتمع؟

المدارس الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية تعيش بفاعلية كبيرة، وسماحة هائلة، ودعم حكومى شديد السخاء على أرض الولايات المتحدة الأمريكية دون اتهام لها بأنها تؤدى إلى شيوع حالة الاحتقان الطائفى، أو ترسيخ التمييز الدينى! فالعيب الأساسى ليس فى الدين، أو فى دروسه وعظاته وقيمه وأخلاقه وسموه وتعاليمه، بل العيب فى العقول الجافة التى تنقله من حالته الخام إلى صورته الواقعية الحياتية فى وجدان التلاميذ. العيب ليس فى النصوص المقدسة المقررة حفظا على الأطفال والصبية، بل فى الحشو الشارح لهذه النصوص من رجال يظنون أن غضب الله يسبق رحمته، وأن كبرياءه يسبق عطفه، ومن هؤلاء الذين يحولون الأديان إلى قبائل متصارعة، ولا يعرفون حكمة الله الذى خلقنا شعوبا وقبائل (لتعارفوا)!

الحقيقة المؤكدة فى يقينى أننا نحتاج إلى دروس الدين فى المدارس، إعلاء للقيم والمثل العليا وترسيخا للروحانيات الحافظة لتماسك المجتمع، ولكننا فى حاجة أيضا إلى إعادة تأهيل عقول واضعى المناهج من جهة، وعقول المدرسين الذين ينقلون هذه المناهج إلى التلاميذ من جهة أخرى. فالحل ليس فى إقصاء كتاب التربية الإسلامية، بل فى إقصاء الفكر القائم على تحرير وصياغة هذا الكتاب بما لا يتناسب مع الواقع، هؤلاء الذين يفرون بخيالهم إلى الماضى وحده، ويتصورون أن هذا الماضى مقدس فى ذاته وبتفاصيله، دون أن يدركوا أن الله تعالى من فوق سبع سموات كان يلقى الوحى المقدس على نبيه وفقا للواقع، ووفقا لمصالح عباده المؤمنين التى يفرضها هذا الواقع.

نحن فى حاجة إلى كتاب التربية الإسلامية، لأنه فى اللحظة التى يفهم فيها أبناؤنا حقيقة هذا الدين وجوهر رسالته حقا، فلن يقترفوا أبدا خطيئة التمييز على أساس الاعتقاد، ولن ينجرفوا مطلقا إلى الاحتقان الطائفى، ولن يرتدوا للحياة فى الماضى بدلا من الحاضر والمستقبل، ولن يتكاسلوا عن عمل بحجة العبادة، ولن يؤمنوا بشىء بعد الله على الأرض إلا بالدولة المدنية القائمة على الحوار، والشورى، والقانون، والرأى، والرأى الآخر، كما كانت الدولة الأولى خلال حياة النبى فى دولة يثرب.

أقسم لكم بالله أن الإسلام هو دين هذه الأفكار العظيمة، والحل ليس فى إقصائه عن المدارس والشوارع والجامعات، بل الحل فى إحيائه حقا وفق قراءة حقيقية واقعية، وأقسم لكم بالله أن الإسلام دين يقاوم التمييز على أساس العقيدة والعنصرية والجحود، والحل فى بعثه من جديد وفق القراءة الصحيحة لما نزل على قلب النبى محمد صلى الله عليه وسلم، قراءة لا تنقلك من الحاضر إلى الماضى، بل تنقل قيم الماضى إليك أنت اليوم، قراءة لا تجبرك على تقليد الصحابة فى ملبسهم ومأكلهم قبل مئات القرون، لكنها تدفعك إلى أن تتصور شكل السلوك الذى كان يمكن لهؤلاء العظماء أن ينتهجوه لو عاشوا فى زماننا وحاصرتهم المشاكل والتعقيدات التى تحاصرنا اليوم.

انحيازى الحاسم هو لمواجهة التمييز الدينى، لكننى أؤمن بأن طريقنا إلى ذلك هو بالمزيد من الإسلام وبالقراءة الصحيحة لهذا الدين، لا بإقصاء الإسلام على هذا النحو البائس وغير المنطقى، والذى لا يمكن تحقيقه بالفعل فى بلد هواه هو الدين كبلادنا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة