إذا تحدثنا من حيث المبدأ، فإن تعويض الشعوب عن فترات الاحتلال التى تعرضت لها من الدول الأوروبية منذ القرن السابع عشر وما بعده هو حق مشروع ومنطقى ومطلوب، ومسألة الاعتذار وتعويض المتضرر هى من البديهيات، وهو أقل القليل فى تحقيق العدل، ذلك أنه قبل الاعتذار والتعويض هناك محاكمة وعقاب للمذنب، ولكن كيف يمكن محاكمة ساسة وقواد قد ماتوا بالفعل، إذن ليس أمام الشعوب إلا مبدأ الاعتذار والتعويض.
وإذا كان اليهود قد نجحوا فى محاكمة النازيين والحصول على اعتذار من كل الشعب الألمانى، فضلاً عن تعويضات هائلة، فإن ذلك ينبغى أن يكون قاعدة لتعويض كل متضرر فى العالم وليس اليهود فقط ، هذا بصرف النظر عن مبالغة اليهود فى ذلك أو عدم مبالغتهم.
أنا شخصياً أرى أنهم تعرضوا بالفعل لاضطهاد يستحقون عنه تعويضا، ولكن هذا لا يبرر جرائمهم فى احتلال فلسطين وقتل وتشريد أهلها فى جريمة مستمرة منذ أكثر من 60 عاماً، وهى أكبر بكثير من جرائم النازى بحق اليهود ـ هذا لو كانت صحيحة ـ المهم أن مبدأ التعويض مبدأ قانونى وشرعى جداً، وقائمة الذين ظلموا فى العالم المعاصر طويلة وقاسية، الهنود الحمر فى الأمريكيتين الذين فقدوا الملايين من شعوبهم بالإبادة ونشر الأمراض وتم تدمير حضارتهم واحتلال أرضهم ـ حتى اليوم ـ وكذلك الأبورجين فى أستراليا ، وأشرتان السور فى أفريقيا وترحيلهم شراً إلى أوروبا وأمريكا لاستعبادهم.
والحقيقة أن الحضارة الأوروبية والرفاهية الأوروبية كانت على نهب المستعمرات واستغلال سواد العبيد، ومن ثم فإن التعويض الصحيح هو تسليم كل الثروات الأوروبية للضحايا السود وغير السود فى آسيا وأفريقيا، أو تخصيص نصف الميزانية الأوروبية على الأكل لمدة 300 سنة كتعويض عن فترات الاحتلال الأوروبى للعالم .
ولكن هذه أحلام طبعاً.. لنكن واقعيين فلا نفرط فى المطالب فنفقدها، والمنطقى أن تقوم كل الدول التى خضعت للاحتلال، برفع قضايا لإلزام الدول الاستعمارية بالاعتذار وتقديم تعويضات مناسبة، وفى الحقيقة فإن هناك سابقة بين ليبيا وإيطاليا، حيث قامت إيطاليا بالاعتذار إلى ليبيا علنا فى 30 أغسطس 2008 وقدمت تعويضات تقدر بخمسين مليار دولار عن فترة الاحتلال الإيطالى لليبيا من 1911ـ 1949.
وإذا كان مبلغ التعويض الإيطالى رمزيا، إلا أنه إذا اعتبرناه مقياسا مثلاً فإن الاحتلال الإنجليزى لمصر كان من 1882 إلى 1954 أى حوالى 72 عاماً، أى ضعف المدة التى احتلت فيها إيطاليا ليبيا، وبقياس الفارق فى عدد السكان بين ليبيا ومصر (حوالى 20 ضعفاً لصالح مصر) فإن المحصلة أن المطلب هو أربعة أضعاف الرقم الإيطالى، أى حوالى 200 مليار دولار هى قيمة التعويض ـ الرمزى ـ الذى ينبغى على إنجلترا دفعه لمصر.
وأضم صوتى إلى حملة "حقك يا مصر" التى أطلقها بعض النشطاء المحترمين لمطالبة بريطانيا بتعويض مصر عن فترة الاحتلال وتقديم اعتذار علنى لها، وهؤلاء الذين أطلقوا تلك الحملة يستحقون الاحترام والتقدير وقبل ذلك الدعم والمشاركة لتفعيل الحملة وإنجاحها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة