◄أهالى قتيلى الإضراب يطالبون مبارك بالتدخل لإعادة حقوق «مبروك» و «النونو»
قد لا يمثل تاريخ 6 أبريل الذى تشير إليه نتيجة الحائط أى معنى بالنسبة لكثير من المصريين، وقد يكون مثارا لحماسة الناشطين السياسيين، أو لتحفز الأجهزة الأمنية، أو ترقب وسائل الإعلام، لكن المؤكد أنه يعنى الكثير لمدينة المحلة الكبرى، التى تستحق دون مبالغة أن تحمل شعار «6 أبريل 2008.. إضراب خرج من هنا».. كانت المحلة مفاجأة 6 أبريل.. عمال شركات الغزل لم يشاركوا فى الإضراب، لكن المدينة اشتعلت بالفوضى والنار، احترقت مدارس ومحلات، ومحطة القطار، وسقط قتلى وتم ضبط متهمين وإحالتهم للمحاكمة، وصدرت أحكام بالإدانة والبراءة، لكن بقيت الأسئلة معلقة. ماذا جرى للمحلة بعد عام من الحريق؟.
تواجه السائر صعوبة على الطريق لميدان «الشون»، أشهر ميادين المحلة، بسبب أعمال الحفر فى كل مكان، بين تحديث شبكة المياه، وتطوير شبكة الصرف، ومد خط الغاز الطبيعى لأول مرة لمدينة الصناعة الأشهر.. فضلا عن تجريف أسفلت الطريق، تمهيدا لرصفه من جديد، وتجميل الميادين الرئيسية بالمدينة، وتجديد محطة السكة الحديد.. قبل أن تبدى دهشتك يفاجئك أهالى المدينة بعبارة واحدة «6 أبريل خلى الحكومة تعرف إن فى بلد اسمها المحلة»، عبارة تسمعها بأكثر من صيغة من أهالى المدينة، قبل أن يؤكد بعضهم أن الإضراب أثبت للجميع كذب التقارير الحكومية التى كانت ترصد أرقام التنمية والفقر والبطالة بالمدينة، لقد كشف الانفجار الذى جرى العام الماضى أنه أبسط طريق للفت نظر الحكومة.. وأن المحلة قبل 6 أبريل 2008 تختلف كثيرا عنها بعده.
90 مليون جنيه اعتمادات إضافية بالأمر المباشر من مجلس الوزراء موزعة على 3 أعوام، ومكتب إقليمى لمحافظ الغربية بمقر مجلس مدينة المحلة، يتواجد فيه المحافظ يومين أسبوعيا، ليتابع تجديدات الطرق والمرافق.. ميدان «الشون» و«شارع 23 يوليو» الذى يطلق عليه الأهالى «شارع البحر»، أكثر الأماكن استفادة بالتطوير والخدمات، وهما اللذان انطلقت منهما شرارة الأحداث الأولى، بالإضافة إلى محطة القطار، التى تم تجديدها كلياً، بعد أن أحرقت العام الماضى، أغلب المرافق الحكومية ذهبت إليها أموال التطوير، عدا المدارس التى تضررت بالأحداث، إلى الحد الذى دفع إدارة التربية والتعليم بالمحلة إلى تجميع 3 مدارس فى مبنى واحد، وتحت لافتة مدرسة «عبدالحى خليل»، مدارس «عقبة بن نافع» و«طه حسين»، ويؤكد الجميع أن المدارس التى انهارت وتضررت خارج خطط التطوير، ومازال المدرسون والإداريون بالمدارس المنهارة ، متعلقين بكلام تردد فى الفضائيات حول تبرعات خصصها رجال الأعمال لبناء مدارس المحلة التى احترقت وانهارت، ويؤكدون أن رجل الأعمال «هشام طلعت مصطفى» تبرع وحده بـ 8 ملايين جنيه لأعمال البناء. فى الجهة المقابلة يقع فرش الصحف الذى يملكه «أسامة المحمدى» بالقرب من «ميدان الشون»، أسامة يلتقى بعض ناشطى أحزاب المعارضة، ومراسلى الصحف، ويتناقش معهم حول الإضراب، ويتمنى ألا تتكرر أحداث العام الماضى، التى ما زالت آثارها باقية على المحلات المحيطة به، متمثلة فى زجاج مكسور، أو لافتة محطمة بفعل آثار الطلقات المطاطية، ومازالت على حالها لأسباب اقتصادية، أو لرغبة أصحابها فى الاحتفاظ بها على سبيل التذكار. أسامة أكد أن متضررى 6 أبريل لم يتم تعويضهم عن خسائرهم، ويشير إلى حلوانى «الجزار»، الذى يملكه يسرى الجزار، قيادى حزب الغد، وأمين الحزب فى الغربية، الذى حطمته قوات الأمن أثناء المظاهرات، لأنه يحمل صورة كبيرة لـ «أيمن نور» مؤسس حزب الغد فى واجهته.
عمال الغزل هم الرابح الوحيد فى الأحداث، رغم أنهم أصحاب دعوة 6 أبريل من البداية، قبل أن تجد إسراء عبدالفتاح، فتاة الفيس بوك، أن مطالبهم هى نفسها مطالب الشعب المصرى كله، وتدعو عبر الجروب الذى أنشأته على موقع «فيس بوك» إلى تضامن شعب مصر كله مع عمال المحلة فى إضرابهم، تحت شعار «6 أبريل.. إضراب عام لشعب مصر»، ورغم نجاح دعوة الإضراب بشكل كبير، إلا أن المحلة كان لها النصيب الأكبر منها، فبعد أن اطمأنت قوات الأمن المركزى التى حاصرت شركة غزل المحلة، إلى تفرق العمال، واستجابتهم للتحذيرات الأمنية، انطلقت الأحداث بشكل غامض، هناك من يقول أن يد الأمن كانت لاعبا أساسيا، كى تبقى ذكرى الإ ضراب مؤلمة على الأهالى، وتصبح المحلة عبرة.
«طول ما عمال الغزل مش بيشاركوا.. يبقى مفيش إضراب».. قالها أحد قيادات العمال فى شركة غزل المحلة، مؤكدا أن الأمن نجح فى التعامل مع عمال الغزل الذين يبلغ عددهم أكثر من 23 ألف عامل وموظف، بالترهيب والترغيب، لتحييدهم وإقصائهم عن المشاركة فى الإضراب، لما يمثلونه من قوة تكفل إنجاح أى إضراب أو حركة احتجاجية، ومع أن العمال لم يشاركوا فقد دفعت المحلة ثمنا باهظا، وفاز عمال الغزل بشهر مكافأة، ومضاعفة بدل التغذية إلى 90 جنيهاً، وأشار القيادى العمالى، إلى تحركات الأمن الواسعة فى الأيام التى سبقت 6 أبريل هذا العام، وتحذيرهم للقيادات العمالية من أى تجمع أو إضراب فى ذكرى الإضراب الأول، لأن رد الأمن وقتها سيكون رادعا إلى أقصى درجة، وأشار إلى أن هذا التهديد وجد صداه عند العمال، الذين آثروا السلامة، بعد أن استجابت الحكومة لمطالبهم الأساسية، وحتى يحافظوا على مكاسبهم من الإضراب الماضى.
وأكد اللواء رمزى تعلب، مدير أمن الغربية أن قوات الأمن تحسبت ليوم 6 أبريل بدرجة كبيرة، وأشار إلى اعتمادات أمنية إضافية فى المحلة، تحسبا لأى طارئ يكرر أحداث العام الماضى، بينما أكد محمد العطار، القيادى العمالى بشركة غزل المحلة، أن تحذيرات الأمن، والاستجابة لكثير من مطالب عمال الغزل ساهم فى تهدئة الأوضاع، وتحييد عمال شركة الغزل، وعدولهم عن فكرة المشاركة فى 6 أبريل.
وإذا كانت ذكرى أحداث 6 أبريل عند عمال المحلة هادئة، فإنها تختلف عند أسرتى «أحمد نونو» و«أحمد مبروك»، اللذين قتلا فى العام الماضى برصاص الأمن مع أنهما لم يشاركا يوما فى مظاهرة، ولا يعلم أيهما، لماذا اشتعلت الأحداث بهذه الصورة فى مدينتهما، الأول عامل بسيط بأحد مصانع النسيج، كان أقصى طموحه أن يستطيع «تشطيب» شقته البسيطة فى الدور العلوى بمنزل أسرته؛ ليتمكن من الزواج، والثانى - أحمد مبروك - لم تسعفه أعوام عمره الخمسة عشر، لينخرط فى العمل السياسى، أو يتبنى موقفا يدفع ضريبته من دمه وعمره.
6 أبريل الذى يواكب الذكرى الأولى لأول إضراب شعبى فى مصر، لا يعنى عند أهل الأحمدين «نونو» و«مبروك» إلا مرور عام على سقوط ابنيهما دون ذنب، ودون تحقيق أو إدانة لأحد، كلا الحادثين قيد ضد مجهول، رغم أن شهادة الشهود تؤكد أن جندى وضابط بقوات الأمن المركزى، هما المتسببان، لكن محاضر الواقعتين تم ترتيبهما بحسب على مبروك والد أحد القتيلين ليفلت الجناة من العقاب.
والد أحمد مبروك لا يريد أكثر من فتح تحقيق جاد فى مقتل نجله، لتحديد الجانى الحقيقى، وعقابه، رغم معرفة الجميع أن مصدر الرصاص أحد أفراد قوة الأمن التى كانت متمركزة على محطة السكة الحديد بعزبة الجمهورية، ويضيف والد مبروك، إن جهات أمنية تدخلت لمنع الإعلام من الإفصاح عن اسم الضابط الذى أطلق الرصاص، بعد أن أعلنه أحد جنود الأمن المركزى وأشار إلى إصرار وكيل النيابة الذى تولى التحقيق، على أن يخيره بين توجيه الاتهام إلى الضابط الذى أطلق الرصاص على نجله رغم أنه لا يعرفه أو غلق التحقيق، وعندما طلب استدعاء شهود رفض.
«مفيش غير الرئيس مبارك هو اللى يجيب لى حقى».. قالها على مبروك، والد قتيل المحلة الثانى، مؤكدا أن الرئيس مبارك الذى تأثر لمقتل الطفل الفلسطينى محمد الدرة برصاص الاحتلال الإسرائيلى ، لن يرضى بالتأكيد على قتل ابنه وفى منزله برصاص قوات الأمن المركزى المصرى.
أما والد أحمد نونو، فأشار إلى تأشيرة الحج التى وعده بها أحد أعضاء مجلس الشعب عن الحزب الوطنى، قبل أن يطلب منه 14 ألف جنيه مقابلها، نفس الأمر تكرر مع على مبروك، والد القتيل الثانى أحمد مبروك، ومن نفس عضو مجلس الشعب، الذى طلب منه نفس المبلغ 14 ألف جنيه بعد أن اطمأن أن التحقيقات تسير فى اتجاه عدم إدانة أى من رجال الشرطة، وبرغم مرارة الذكرى، وألم وقعها على أنفسهم، يسترجع أهالى الشهيدين أحداث العام الماضى التى انفجرت دون مقدمات، وتروى والدة أحمد مبروك لقاءها الأخير بابنها مساء يوم 7 أبريل، بعد عودته من عمله القريب من منزله بشارع مصطفى ربيع بعزبة «أبودراع»، أخبرها نونو برغبته فى الخروج للاطمئنان على عمته التى تسكن بمنطقة «المنشية الجديدة»، لقربها من منطقة «الخناقة» - كما كان يظن وتستدرك والدته «راح لعمته ومش عارف إنه رايح لقضاه»، ومن بين دموعها تروى لحظة استقبالها للخبر «ابنك أحمد انضرب قرب المنشية، وواقع على الأرض وغرقان فى دمه»..
ويتدخل محمد نونو، شقيق أحمد الأكبر قائلاً: «هما مضربوش اللى ولعوا القطر، ولا اللى حرقوا المدارس.. ضربوا أخويا بس علشان غلبان وضعيف»، ويستدرك بين دموعه «كانوا ضربوه بعصايه وسابوه».
أما الشهيد الثانى، أحمد مبروك، فلم يجد الفرصة ليغادر منزله، ولم يسمح له جنود الأمن المركزى بالبقاء فيه أيضا، بعد أن أغرقوا عزبة الجمهورية التى يسكنها بقنابل الغاز والدخان، وهو ما اضطر الصبى الصغير لفتح شرفة شقته لمجرد أن يتنفس هواء نقيا، وبجانبه شقيقته الصغرى ووالده الذى ظن مسافة الـ 200 متر التى تفصله عن السكة الحديد حيث نقطة تمركز قوات الأمن المركزى، كافية لتأمينه من رصاصات الأمن المركزى، التى ارتفعت لتصيب ابنه الذى سقط بين يديه غارقا فى دمائه، قبل أن يفارق الحياة، بعد معاناة استمرت لأكثر من ساعتين مع سيارات الإسعاف، وقسم الطوارئ بمستشفى المحلة العام.
الاستعداد لـ 6 أبريل الذى كان لسان حال الجميع، منذ أواخر مارس الماضى، اختلف كثيراً عند والدى «نونو» و«مبروك»، ففى الوقت الذى استعدت فيه القوى الوطنية للمشاركة فى الإضراب والتنسيق مع مختلف التيارات، وكثف الأمن من استعداداته لمواجهة الإضراب بالحزم والقوة اللازمين، كان أهالى «أحمد مبروك» و«أحمد نونو» قد وضعوا أيديهم على قلوبهم، خوفا من سقوط باقى أبنائهم ضحايا لإضراب، يرون أنه لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
لمعلوماتك...
◄140 مصابا استقبلتهم مستشفيات المحلة وطنطا والمنصورة فى يومى 6 و7 أبريل 2008 من بينها 33 إصابة لعساكر الأمن المركزى و107 من الأهالى، منهم 33 حالة تم تشخيص إصابتهم وفقا لدفاتر المستشفى على أنها إصابة بطلق نارى
بعد مرور عام كامل تبدلت ملامح ميدان الشون وشركة الغزل ومحطة السكة الحديد التى انطلقت منها شرارة انتفاضة 6 أبريل الأولى
الحكومة حاصرت إضراب 6 أبريل بفاتورة قدرها 90 مليون جنيه
الخميس، 09 أبريل 2009 11:23 م
المحلة تحولت إلى مدينة أخرى بعد دمار 6 أبريل الماضى - تصوير: أحمد اسماعيل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة