د.عادل السيد

فى ذكرى يوم الأرض الفلسطينى

الأربعاء، 08 أبريل 2009 11:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان اجتماع الحكام العرب الدورى هذا العام قد وافق يوم 30 مارس، وهو اليوم الذى نحتفل فيه بـ "يوم الأرض"، ولم تُذْكَر المناسبة ولو على هامش أى محفل عربى وليس فقط من الحكام، أولى الأمر، فلقد مضى عهد "يوم الأرض" وصارت الأرض أكثر هباءًا واستباحة فى ظل خلافات عربية عربية وفلسطينية فلسطينية عقيمة لاتسمن ولاتغنى، أرى حلم العودة قد تحول معها إلى أسطورة، وأرى أيضًا كيف أصبحت العلاقات الأخوية الفلسطينية مثلها مثل العلاقات المصرية- السعودية - السورية-القطرية، حلمًا عربيًا آخر قد يكون حلم العودة أقرب منها إلى التحقيق.

ويوم الأرض هو يوم فلسطينى الداخل كما يطلق البعض على الفلسطينين داخل إسرائيل تحاشيًا لذكر "الكيان الصهيوني" وكانت واقعته، وللتذكير فقط، قد جرت بعد أن خسر فلسطينيو الجليل فى شمال فلسطين التاريخية وبالذات فى قرى دير الأسد وعرابة ومدينة سخنين الباقى من أراضيهم، أى رأسمالهم الوحيد بالمصادرات المعروفة منذ قيام الدولة وحتى تاريخه، حيث لم تنقطع ولن تنقطع على خلفية أنها سياسة دولة إيديولوجية، خاصة وأن علماء الجغرافية السكانية فى جامعة حيفا - الصهيونية حتى النخاع - وعلى رأسهم رئيس القسم أرنون سوفير قد درسوا وأفتوا فى السبعينيات بعدم جواز التوسع العمرانى الأفقى للفلسطينيين بل ونصحوا الحكومة (وكان رئيسها فى عام يوم الأرض 1976 هو إسحاق رابين) فى تقاريرهم وأبحاثهم الكثيرة والملحة بأن لاتسمح للعرب إلا بالبناء الرأسى العمودى حتى لا يلتهمون أراضى الدولة، والتى رأوا وجوب التشديد فى المحافظة على طابعها اليهودى مهما كلفها الأمر فى محاولة صهيونية لمقابلة الزيادة السكانية للعرب، والذى تعادل ضعف النمو السكانى الطبيعى لليهود أو أكثر قليلاً والتى تقارب مثيلتها للقطاعات اليهودية المتدينة والتى تحرم موانع الإنجاب.

وبعد، فالعربى ومنذ قيام "الدولة اليهودية" – كما تسمى نفسها- لم يعد يُعَرَّف بالعربى، بل على خلفية كونه "غير يهودى" فكل وثائق الدولة الإحصائية تتحدث عن السكان اليهود وغير اليهود، أما غير اليهود فحيكت لهم هويات على هوى الايديولوجية الصهيونية لتصبح هذه الهويات دينية، وليكون العربى بناء عليها إما مسلمًا أو مسيحيًا أو درزيًا أُضيفت إليها ولزيادة الانقسام هوية جديدة أُطلق عليها الهوية البدوية، والتى لم يسمع التاريخ عنها إلا فى إسرائيل. وشكلت هذه "الهويات العربية" نسبة عشرة بالمائة من مجموع السكان عام 1948 لتصبح الآن ورغم كل الصعوبات والمشاكل تمثل ربع عدد السكان، فبين كل أربعة من الإسرائيليين هناك عربي.

هذا العربى أو فلسطينيو 48 أو فلسطينيو الداخل أو العربى الإسرائيلى - وهذا بعض لا كل التسميات - كان ومازال ومن وجة نظر الدولة، دولته، هو العدو المحتمل إن لم يكن العدو الفعلى أو "العدو فى وسطنا"، فهذه الدولة كما تُعَرِّف نفسها لم تقم لا من أجله ولا لخدمته، ولكن من أجل يهود الفلاشا والهند وسيبيريا ومغامرى بروكلين رعاة البقر العنصريين، حيث لم يعد اليهودى الملاحق فى روسيا القيصرية أو بولندا الكاثوليكية أو ألمانيا الهتلرية يشكل أهمية ما للايديولوجية لتقادم المشكلة من جهة أو لاستخداماتها الفرعية كسلاح فى وجه كل ناقد لإسرائيل وهى العجل المقدس للمدنية الحديثة من جهة أخرى. ونتيجة لهذا ومنذ البدء كانت أرضه عرضة للنهب المنظم والاستباحة بواسطة قوانين تعسفية إما قديمة من عصر الانتداب أو حديثة فصلت على مقياس العرب تمامًا ولاتسرى على اليهود حتى لو سكنوا نفس منطقة المصادرات - فهى للعرب وللعرب فقط.

وبينما كان مصدر رزق الفلسطينيين الرئيسى هو الفلاحة والعمل فى الأرض قبل قيام الدولة، أصبحوا بعدها ومعها لاجئين ومعدمين، فثمانين بالمائة ممن بقى منهم فى إسرائيل اعتبر لاجئًا لتغييره لمحل إقامته على خلفية الحرب على أمل العودة إليها بعد انتهائها وكما هو معروف فى كل حالات الحروب فصدرت قوانين الغائب الحاضر الصهيونية لتسلبه أرضه وبيته وبيت أجداده وبصورة رسمية، ولكن المعدم لم يتنازل عن هذه الأرض ففى حين أمكنه العمل على نفس أرض قريته وأحيانًا كثيرة على نفس أرض أجداده والتى تحولت إلى كيبوتس (قرية جماعية) أو موشاف (قرية تعاونية)، كانت الدولة ومازالت فى حاجة ماسة إلى الشرعية، ومن على لسان المعدمين وبخط يديهم ليحصلوا مقابلها على المكافأة فى شكل قطعة أرض لبيت أو لبستان أو حتى لمدرسة. فالفلسطينى فى حاجة إلى قطعة أرض ليبنى عليها بيت أسرته أو بيتا لأحد أولاده الراغبين فى الزواج أو لمشروع عمل، وهنا يأتى الاضطرار بالتوقيع على إقرار بالتنازل موجود وجاهز من قبل السلطات وفى أى وقت يرغبه المتنازل للحصول على قطعة أرض لاتتعدى الدونم الواحد (800 متر مربع أو أكثر قليلاً) وهذه الأرض الممنوحة - وعلى طريقة فرق تسد - مصادرة من عائلة فلسطينية أخرى، يُسمح له بالبناء عليها، فى حين أن الأرض المصادرة والمطلوب التنازل عنها تشكل قرى كاملة ومزارع شاسعة سويت بالأرض بعد تدميرها بالقصد وسورت بالأسلاك الشائكة ووضعت عليها لافتات تحذر من الاقتراب والتصوير على حال كل المناطق العسكرية.

وكانت حكومة السيد رابين قد خططت ونفذت بالطبع لمدينة وسط الجليل الأخضر وذى الأغلبية العربية وعلى أراضى دير الأسد وعرابة وسخنين وغيرها من المجاور من القرى العربية لبناء مدينة "الكرمل" وبهدف زرع العنصر اليهودى وسط السكان العرب لشقهم عن بعضهم ولزيادة نسبة السكان اليهود فى المنطقة للوصول إلى ما يسمى بتهويد الجليل، وهنا ثار فسلطينيو الداخل بعد أن بلغ بهم السيل الزبى، فكان يوم الأرض30 مارس 1976، يوم أن سقط منهم 13 قتيلاً وعشرات المصابين فكان ذلك ليس بداية لعودة الوعى ولكن إعلانًا عن استمراره.

وفى ذكرى مرور 33 سنة على يومهم – يوم الأرض – اسمحوا لى خاجلاً ومن على هذا المنبر أن أوجه إليهم جميعًا تحية التضامن والدعوة لهم باستمرار الصمود فى عصر العنصرية الداعرة، عنصرية أفيجدور ليبرمان وحزبه (إسرائيل بيتنا) وهو الذى يطالبهم الآن بتوقيع وثيقة الولاء للدولة اليهودية وبثوابتها الصهيونية، لتبدأ صفحة جديدة من المقاومة ضد السلب وتهميش الهوية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة