د. طارق اسماعيل

سعر الرز والسيارة الكهربائية

الأربعاء، 08 أبريل 2009 05:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما العلاقة بين سعر الرز والسيارة الكهربائية؟ سعر الجبنة وصناعة الغزل والنسيج؟ سعر البيض وإنتاج الكمبيوتر الذى يستخدمه القارئ فى تصفح هذا الموقع؟ أو سعر الزيت واستخدام الطاقة الشمسية فى توليد الكهرباء؟

الإجابة: المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة!
المهندس رشيد من الوزراء الذين يتمتعون بسمعة طيبة ويحظى باحترام الناس. تكلم فى البيت بيتك عن الأسعار وعرض متوسط أسعار كيلو الرز ودستة البيض وسلع أخرى من خلال مسح لعدة محال سوبرماركت وبقالة. ثم أجاب على أسئلة المشاهدين واستمع لشكواهم من خلال المداخلات التليفونية والتى تركزت على ارتفاع سعر الجبنة, أحد المكونات الأساسية لغذاء أطفال المدارس بالإضافة إلى السلع الأخرى التى ذكروا فيها أن الأسعار الحقيقية أعلى مما ذكره الوزير. الصحف تتكلم كثيرا عن ملفات الاحتكار والأسعار ومجهودات المهندس رشيد وتصريحاته فى هذا المجال. هذه ملفات مهمة ويلمسها المواطن فى حياتة اليومية. كل هذا المجهود والتواصل مع الجمهور يحسب للوزير ويشكر عليه وليس لدى ما يدعو إلى التشكك فى إخلاصه.

ولكن هل هذا عمله؟ أو ما يجب أن يأخذ من وقته هذا الكم الكبير؟ إننا فى صراع مع الفقر والتخلف ولا سبيل للارتقاء دون زيادة الإنتاج الصناعى ثم زيادة صادراتنا الصناعية. هذا من أهم التحديات التى تواجهنا. لا خلاف أن أسعار التموين مسألة مهمة للمواطن فى حياته اليومية، ولكن لماذا يجب على الوزير نفسه أن يكون مسؤلا عن هذين الملفين فى الوقت نفسه؟ هل يمكنه النجاح فى الاثنين معا؟ أليس صاحب بالين كداب؟ أو سوبرمان!

http://www.mti.gov.eg/index.asp هذا ليس رأيى فحسب. انظروا إلى كلمة الوزير عن وزارته على موقع الوزارة.
"من منطلق دعم مسيرة التنمية الاقتصادية التى تتبناها القيادة السياسية بهدف الوصول إلى بناء الدولة الحديثة ذات الهياكل الإدارية والإنتاجية والاقتصادية المرنة والقادرة على التفاعل الإيجابى مع المتغيرات الدولية المتلاحقة، ركزت الحكومة المصرية أهدافها نحو فتح قنوات اتصال مباشرة بين الإنتاج والتصدير فى منظومة عمل متجانسة، وذلك فى إطار سياسة الدولة لتنشيط الصادرات، وتحديث الصناعة الوطنية وتطوير قدراتها بتكنولوجيات وخبرات عالمية لإنتاج سلع ذات جودة عالمية قابلة للتنافس والنفاذ فى الأسواق العالمية من خلال منظومة تجارية متكاملة هدفها الأساسى دفع عجلة التصدير".

و فى الموقع نفسه هناك قائمة بأهداف الوزارة, 13 هدفا على وجه التحديد لم يذكر فيها سعر المواد التموينية للمواطن مرة واحدة! المجال لا يتسع الآن لمناقشة هذة الأهداف إلا أنها كلها تدور حول تنمية وتحديث وتشجيع الصناعة والإنتاج الصناعى والتصدير. ممتاز من حيث المبدأ. وهذا يجرنا إلى نقطة جانبية أخرى فى علم الإدارة, نكتفى بذكرها: عندما لا يذكر نشاط معين فى قائمة الأهداف, هذا يعنى ضمنيا لمن يعمل فى هذا النشاط أنه نشاطا أقل أهمية – إن لم يكن غير مهم بالمرة!

فكرة انضمام وزارتى التجارة والصناعة ليست بدعة مصرية ولعل اليابان أبرز مثال لهذا. لكن شتان الفارق بين مصر ودولة عملاقة صناعيا وأكبر منتج لبراءات الاختراع فى العالم ومن أكبر الدول المصدرة فى العالم ومتوسط الناتج القومى للفرد فيها أكثر من 15 ضعف الفرد فى مصر وعدد وزرائها لا يزيد على 14، بينما عدد سكانها أكبر من مصر. ومع هذا, أشك أن وزير الصناعة هناك مشغول بأسعار المواد التموينية.

سوف يقول البعض: المهندس رشيد له وكلاء وإدارات تساعده فى موضوع أسعار المواد التموينية, وهذا صحيح. لكن أى ساعة عمل يقضيها وزير الصناعة فى المواد التموينية هى ساعة من وقته تخسرها الصناعة المصرية! ساعة يمكن استثمارها مع أصحاب مصانع أو ناس تأمل أن تصبح أصحاب مصانع. ساعة يمكن استثمارها مع مهندسين صغار أو عمال للاستماع لاقتراحاتهم ولتشجيعهم. ساعة يمكن استثمارها مع أساتذة جامعة أو مستثمرين لمناقشة خطط وأفكار. أو حتى مع موظفى وزارة الصناعة الذين قد يشاهدونه يتحدث على شاشة التليفزيون ويتساءلون عن أهمية عملهم.

فى وزارة بها 32 وزيرا, أقترح على "المهندس" رشيد و"المهندس" نظيف أن يوكلا ملف أسعار المواد التموينية لوزير آخر أو حتى إضافة وزير جديد حتى يتفرغ المهندس رشيد لأداء المهمة الاستراتيجية والمصيرية – زيادة الإنتاج الصناعى والصادرات - التى تحتاج إلى مهارات خاصة وغير متوافرة. أو بالعكس, قد يختار المهندس رشيد ملف المواد التموينية ليترك ملف الصناعة والتصدير لوزير آخر يستطيع التركيز فيه بجدية وبلا تشتيت حتى يرتفع احتمال النجاح للملقبن.

أتوقع أن أسمع من وزير الصناعة فى البيت بيتك والبرامج الأخرى والصحف كلاما عن أهمية الصناعة ومعوقات الصناعة وكيفية إزالتها, متطلبات الصناعة من التعليم العالى والمتوسط, كيفية الاستفادة من أساتذة الجامعة فى بناء وتطوير الصناعة, لماذا تتعثر صناعة الغزل والنسيج فى مصر, ما هى الصناعات الواعدة التى يمكن التركيز عليها فى المدى القريب والمتوسط والبعيد, كيفية تسهيل توجيه المدخرات ورأس المال إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة, كيف نشجع الابتكار وروح المخاطرة المحسوبة لغير الربح السريع, كيف نرتفع بمستوى الجودة وبإنتاجية الفرد حتى يمكننا المنافسة فى أسواق العالم, ما هى الدروس المستفادة من الدول التى تخطتنا, هل حددنا أهدافا واضحة بالأرقام وكيف نقيس تقدمنا فى تحقيق هذه الأهداف..... إلخ. قد يكون هذا كلاما مملا للمواطن الذى يسعى لتوفير لقمة عيش شريفة هذا الشهر لعائلته, لكن هل هناك طريق أفضل للخروج من الحلقة المفرغة للمعاناة والفقر؟

رد فعل مبالغ فيه؟ قد يقول البعض هو "عمل من الحبة قبة". الإجابة بسيطة, بلاش اليابان والصين وألمانيا وأمريكا:

إنتاج ماليزيا الصناعى أكبر من ضعف إنتاج مصر. تعدادهم؟ ثلث تعداد مصر.
إنتاج تركيا الصناعى أكثر من أربعة أضعاف إنتاج مصر، بينما تعدادهم أقل قليلا من مصر.
إنتاج كوريا الجنوبية الصناعى أكثر من عشرة أضعاف إنتاج مصر، بينما تعدادهم يزيد على نصف تعداد مصر قليلا. إنتاج إسرائيل الصناعى مرة ونصف إنتاج مصر، بينما تعدادنا أكثر من عشرة أضعاف تعداد إسرائيل!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة