توقف جريدة البديل عن الصدور خبر مؤلم لكل صحفى، وقد سبقه توقفات مماثلة فى جميع أنحاء العالم تقريبا، مثل مجلة المجلة السعودية الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق والنشر، وجريدة كريستيان ساينز مونيتورز الأمريكية، فى إشارة يجب على الجميع الانتباه إليها جيدا، وهى أن عصر الصحافة الورقية فى طريقه إلى الانقراض.
ورغم أن بيانات شركات إصدار الصحف ترجع أسباب التوقف إلى الأزمة المالية العالمية، وقد ساهمت بشكل حقيقى فى الأزمة، فإنه من المهم التوقف عند الأسباب الأخرى الفاعلة والمؤثرة على الصحف الورقية فى جميع أنحاء العالم، وأهمها بلا شك الصحافة التلفزيونية والإلكترونية، التى أكلت الكثير من شعبية الصحافة المكتوبة، فى الوقت الذى فشلت فيه الصحف تقريبا فى التعامل مع تحديات عصر السرعة والتكنولوجيا وانتقال الكلمة والصورة بين أبعد نقطتين فى العالم فى جزء من الثانية.
وباستثناء بعض الحالات القليلة التى استطاعت فيها الصحافة الخاصة فى مصر انتزاع مكانة وتوزيعا فى السوق، فإن كل الصحف بما فيها القومية آخذة فى التراجع والتأكل، وربما الاندثار، وهو أمر يستدعى من تلك الصحف مراجعة نفسها قبل أن يجرفها الطوفان.
مشكلة الصحافة المصرية ومعظم الصحافة العالمية، أنها تربت على الخبر، بينما لا يصبح الخبر جديدا بعد ثوانى معدودة من حدوثه، فمثلا فى الستينيات قتل الاحتلال الفرنسى 50 ألف جزائرى فى يوم واحد، ولم تعرف هذه المجزرة إلا بعدها بأسابيع، بينما نحن نشاهد ومنذ عاصفة الصحراء "حرب تحرير الكويت" فى عام 1991 كل الحروب على الهواء مباشرة، لدرجة أن قتل طفل فلسطينى على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية يعرفه العالم فى نفس اللحظة وبكل التفاصيل الممكنة وغير الممكنة.
ماذا تفعل الصحافة التى تصدر فى اليوم التالى؟.. فى مصر لا نجد سوى الأخبار التى شاهدناها أمس على شاشات الفضائيات وتابعناها على الإنترنت، وحتى التحليل والرأى متاح أيضا على وسائل الإعلام المختلفة، والتحقيق الصحفى انتقل إلى برامج التوك شو، ولم يعد أمام الصحافة الورقية ما يميزها سوى بعض مقالات الرأى والتغطيات الخاصة التى تاهت عن غول الميديا الذى يفترس العالم بالمعلومات كل ثانية وكل دقيقة، مما يستدعى البحث عن صيغ أخرى تعيد للصحيفة الورقية أهميتها وجاذبيتها لدى القارئ، وهو ما لم يتربى عليه الصحفيون من الأساس.
اليوم تتوقف البديل، وبين يدى عددها الأخير، وكأننى أودع صديقا عزيزا إلى مثواه الأخير، لكن يا ترى كم صديق أخر علينا أن نشيعه خلال العام الحالي؟..
فى تصورى أن صحافتنا القومية ستدفع ثمنا غاليا لثورة المعلومات وللأزمة الاقتصادية العالمية، وإذا كانت الدولة تتحمل وتمول من ضرائبنا خسائر الصحافة القومية، فلا الدولة ولا المواطنين سيقبلون هذا النزيف فى المستقبل القريب.
وسيكون على الصحافة القومية بلا شك مراجعة إصداراتها، فمثلا الأهرام تصدر أكثر من عشرين مطبوعة يومية وأسبوعية وشهرية وربع سنوية، معظمها يحقق خسائر منذ إصدارها وبعضها تراجع توزيعه إلى حد كبير، وليس من العيب مراجعة فلسفة صدور تلك المطبوعات، ومراجعة توزيعها ووضع خطط تحريرية لإنقاذها، فإذا لم تنجح فلن يكون هناك خيار سوى التوقف، وهو أمر ينطبق على دار التحرير وأخبار اليوم وغيرها من المؤسسات الصحفية القومية.
التوقف ليس عيبا إذا لم نستطع التطور، لكن العيب كل العيب أن يمتلئ سوق الصحافة فى مصر بصحافة ميتة وقتيلة ونصر على طرحها فى السوق، بينما إكرام الميت دفنه، ولسنا أغنى من السعودية ولا أمريكا التى تتوقف فيها الصحف لأسباب مالية.
نعم سيكون العالم مختلفا بدون الصحف الورقية، وسيأتى يوم نقول فيه فى حدث فى مثل هذا اليوم: "فى مثل هذا اليوم من عام كذا توقفت مجلة كذا القومية عن الصدور بعد أن كلفت الخزينة العامة خسائر بلغت ملايين الجنيهات".. لكن هذا أفضل من المرور عند بائع الصحف والتريقة على الصحف والمجلات التى لا يقرأها أحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة