ظهرتْ بيننا مؤخرًا بعض صور التطرف من جانب أنصار كل عقيدة ضد الطرف الآخر، مما يهـدِّد ما عُرفتْ به مصر على مرِّ العصور، من سماحة واعتدال.
فمثلا تمتلئ عشرات المواقع الإلكترونية بادعاءات، إليكم بعضها: "كان الغزو الإسلامى الغاشم لمصر مقدمة لقرون من الاضطهاد، حيث قام العرب بمذابح عديدة، فقد سبوا النساء وانتزعوا الأطفال من أهلهم، وهدموا الكنائس وأعملوا سيوفهم فى صدور ورقاب أجدادنا المصريين، كما قاموا بجهود حثيثة لمحو الهوية واللغة المصرية (القبطية) وتزوير الذاكرة الجماعية للشعب المصري"!!
وتروِّج لتلك الأكاذيب والخرافات بعض المنظمات القبطية بالخارج، حتى إنهم حددوا تاريخًا ليوم الغزو الإسلامى الغاشم لمصر يتم فيه: الوقوف دقيقة حدادًا، والصلاة، ووضعُ شريطٍ أسود على الجبهة!
وفى مقابل هؤلاء، وعلى شبكة الإنترنت أيضًا، تطالب الآن جماعات مُخرفة بالمقاطعة الاقتصادية للأقباط فى مصر! كما كثر مَنْ يقومون باللمز والغمز فى عقيدة المسيحيين وعبادتهم!! وتلك لعمرى دعوات مسمومة تغذِّى نار الفتنة الطائفية، التى والله إن اشتعلت، فلن تبقى ولن تَذر.
وسريعًا، أحب أن أبيِّن للكافة أن الإسلام لم يتخذ طوال تاريخه موقفًا معاديًا من أصحاب الديانات الأخرى، ولا أحسب أن فى المسيحية شيئًا يُعادى الإسلام، وإلا ما أمَّـن الصحابة معتنقيها - فى البلاد التى فتحوها - على أموالهم وأرضهم وكنائسهم، فى وقتٍ كانت الغلبة فيه للمسلمين الفاتحين.
وتاريخ مصر يشهد أن الجميعَ من أبنائها - أيًّا كان دينهم - عاشوا على أرضها فى مجتمعٍ واحد متماسك لقرون طويلة.. فما الذى يجرى الآن؟!
يرى بعض المراقبين أن جيل الشباب الحالى محبط سياسيًّا واجتماعيًّا، لعوامل كثيرة خارجية وداخلية، وأنهم وجدوا فى الدين العزاء من تلك الإخفاقات. وعلى الفور، قـرَّر هؤلاء المحبطون من أصحاب كل عقيدة استبدال عقيدتهم بالهوية الوطنية، التى من المفترض أن يجتمعوا - بمختلف عقائدهم - تحت مظلتها.
ولهؤلاء نقول، إن الانتماء لوطنٍ واحد قوى ترفرف عليه القيم العقلانية، والمساواة، واحترام كل طرف للآخر، هو صمام الأمان للجميع. ففى ظل هذا الوطن القوى المتسامح يستطيع كلُّ متعبدٍ أن يؤدِّى عبادته فى حرية وأمان، دون تدخلٍ من الآخر.
وجوهر الأديان - كما أفهم - هو المحبة بين أتباع الدين الواحد، ومن ثمَّ بينهم وبين أتباع الديانات الأخرى، خاصةً أبناء الوطن الواحد.
ولا يخفى على عاقل محبٍّ لتراب هذا الوطن أنه مستهدَف من قوى خارجية مترقبة، ويُضيرها هذا التماسك الموجود بين أهله وناسه، فى منطقة هى أساسًا مشتعلة بكل أنواع النزاعات.
إن مِصرَ وطنٌ لكل من يُولد على أرضها ويعيش تحت سمائها، ولو أَبَى من أَبَى! وحتى يتحقَّق ذلك، فإن على الدولة أن تنتفضَ من غفوتها، وتَشرعَ فى تطبيق القانون بلا هوادة على جميع المتطرفين من الفريقين، حتى تكونَ مصر وطنًا آمنًا لجميع المصريين.
* مدير إدارة بقناة المعلومات بالتليفزيون
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة