"31 فبراير" .. إبداعات شابة

الثلاثاء، 07 أبريل 2009 09:16 م
"31 فبراير" .. إبداعات شابة لوحة للفنان لتياب ولك
كتبت هند سليمان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ودع نحيب الندى الأرض مع رعشة أشعة الشمس التى تكاد تشق طريقها بين قطعان الغيوم، لتمحو دمعة فراشة ضلت فى فلاة، وتنادى حمامة تائهة "أيا مسافرة هذا مكانك فاقتربى"، وتكسر ظل المستحيل النائم على أشجار الطريق لتهدى وجوه شردت فى تيه ذاكرة حاصرها الخنوع.

خرج المصلون من مسجد الحسين بعد صلاة الفجر لينبشوا ملامح الأرض ويهتكوا هدوء الفجرية بدعوات شهيدة تزف إلى السماء كحلم بأن يرفع الله مقته وغضبه عنهم، وأن يرفع عنهم الظلم وينعم عليهم بالأمان والرخاء، ولبثوا فى مكانهم حوالى نصف الساعة، يتحدثون عن أحوال الدنيا والدين، وبعد لحظات تفرقوا، فمنهم من عاد إلى بيته ومنهم من ذهب ليشترى الفطور، أما الشيخ حسن والشيخ محمد فما زالوا فى مكانهم يتحدثان عما حدث بالأمس فى فرن العيش.

الشيخ حسن: الناس أصبحت غير معقولة يا شيخ محمد، كانوا هيموتوا بعض إمبارح على العيش، ويا ريته فى الآخر يستاهل، ألا بيطلع كله رمل والرغيف يادوبك لقمة أو لقمتين بالكتير والحمد لله نعمة من عند ربنا.

الشيخ محمد: أنا باستعجب هما الناس اللى فى البلد اللى جنبنا أحسن منا فى إيه؟! العيش بيطلع عندهم جميل كبير كده وشكله يفرح واللى يغيظك أكتر إنهم مش بيتعاركوا على الرغيف ده.

فحدثه الشيخ حسن عن تجربة القرى المجاورة مع نوابهم فى مجلس الشعب.

الشيخ حسن: أنت ما تعرفش يا شيخ محمد إنهم جمعوا شكاوى من الناس وراحوا بيها لنائب دايرتهم، وهددوه إن لم تحل مشكلة رغيف العيش هيقدموا مذكرة جماعية بإلغاء عضويته وانتداب واحد آخر يدافع عن حقوقهم لأنها تستحق الدفاع.

تجهم وجه الشيخ محمد، ورسمت ملامحه مائة علامة استفهام "هو معقول؟ إزاى يسحبوا عضويته دا المجلس دا عامل زى مجمع الخالدين اللى بيدخله بيتزرع جواه ويربى جدور عايزلها سنين علشان تتقلع!! المهم عرف يعمل حاجة؟؟".

فقال الشيخ حسن إنه عندما عجز النائب عن التصرف بمفرده وشعر أنه مهدد، ذهب للدوائر المجاورة، وحث أهلها على اتباع نهج أهل دائرته، وبالفعل انتهج الأهالى السبيل نفسه وتحالف نواب دوائرهم مع النائب فشكلوا ورقة ضغط، فانفرجت أزمة العيش.

فتجهم وجه الشيخ محمد مرة أخرى، وبدأت الأسئلة ترقص فى عينيه مترنحة تائهة بين صدق ما يقوله الشيخ حسن وبين ما يعيشه على أرض الواقع، ففضل أن يتحدث عن موضوع أخر موحيا للشيخ حسن أنه على وعى كامل بما حدث فى القرى المجاورة.

الشيخ محمد: أنت مش ملاحظ إن الدنيا هدوء النهارده حتى الفرن مش عليه ناس كتـيـ....

وما لبث أن يكمل، فقاطعته أنفاس مراوغة لاهثة تبحث عن مأوى وراء الغيم، فخطوط الشمس تهتك سترها وتعذبها، وعيون الشيخين حائرة شغوفة، كأسئلة الغريب إن شرد، متحفزة لكسر الغموض الذى يحيط بصاحب هذه الأنفاس.

وبدأت خيوط الشمس تلتحم لتحيك ملامحه تدريجياً، فغدرت به وكشفت عن وجه طويل تجمدت ملامحه، وعينان باردتان بلا وطن لا بريق فيهما تحت جبهة عريضة مستوية، واتضح أنه نائب الدائرة نور عبد النور وخلفه جموع غفيرة تتوعده بالبتر فى هتاف سيمفونى عزف أجمل لحن سماوى غريب جاء من ذاكرة ناعسة ماض إلى غد لن يلتقيه أبداً.

اقتلع الهتاف الخوف من قلب الشيخ محمد وعزف على أوتار قلبه وعقله، فوجد نفسه فى مقدمة الثوار يهتف ويرددوا خلفه، فأصبح زعيمهم وقائدهم، ونجحت ثورتهم فى بتر النائب نور من منصبه دون محاكمته، ووضعوا مكانه الشيخ محمد.

وفجأة، فرت الوجوه من درب الشيخ محمد كالماء من بين أنامله، بعدما ألقت الجواب وغادرت نحو الغياب، فوجد الشيخ محمد نفسه وحيدا شريدا لا يعرف اتجاهه، فعادت الأمور لما كانت عليه فى صباح اليوم التالى، وظل يوم 31 فبراير كالطيف يمر من هنا إلى هناك ومن هناك إلى ما بعد المدى، قد تظن أنه مر بين الناس، ولكنه لم ولن يفعل، لأنه لا أفق يبدو للثوار.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة