عزوز مصرى.. مسلم.. أهلاوى حتى النخاع.. لا يرى فى حياته جمالاً سوى أبنائه والأهلى.. حتى أنه يواظب بشكل أسبوعى أن يضبط جينات أولاده على عشق الأهلى الكبير.. ولذا فلا تفوته فرصة حتى يصطحب أبناءه معه فى تدريبات الأهلى.. وأحياناً المباريات التى لا يكون الزمالك طرفاً فيها.
أزمة عزوز الأهلى أنه لا يتحمل مشاهدة مباريات الأهلى والزمالك ويعزى ذلك أن دقات قلبه تزداد بشكل كبير ودوماً يتحول إلى كائن آخر إذا قدر وشاهد اللقاء سواء على شاشة التليفزيون أو على الهواء مباشرة فى استاد القاهرة، ولذا فقد أخذ عزوز قراراً نهائياً بناء على توصيات الأطباء بعدم مشاهدة لقاءات القمة بين الأهلى والزمالك، ولكن أزمته باتت ليست المشاهدة فقط وإنما يبحث عن مكان بعيداً عن سماع أى آهات أو تشجيعات أو أصوات جماهيرية عبر أثير المقاهى المحيطة بمنزله بعد أن تغلب وأقنع أبناءه بضرورة غلق التليفزيون وقت إذاعة مباراة القمة، وعلى أبنائه أن يتسربوا ويبحثوا عن المشاهدة إما فى استاد القاهرة أو لدى أصدقائهم الأهلاوية أو على المقاهى القريبة.
ويبدو أن دقات قلب عزوز لم ينضبط إيقاعها بل ظلت متوترة وفى الزيادة ولم يشفع له عدم المشاهدة فى خفض التوتر الحاد الذى ينتابه.. ففكر أن يهجر منزله سريعاً ويهرب إلى مكان من الأماكن النائية التى لم تذهب إليها المقاهى، ولأنه من أبناء القليوبية فذهب إلى القناطر الخيرية واختار الجانب الآخر من النيل الذى لم يذهب إليه العمار والمبانى، والذى لا يقطن فيه سوى عدة مشاتل للزهور.
وفجأة شعر عزوز بخيبة أمل شديدة عندما شاهد رجلاً على بعد أمتار كثيرة ويبدو أنه يتجه إليه، فلم يشغل باله كثيراً إلا أنه دعا الله ألا يكون لهذا الرجل علاقة بكرة القدم، ولكن للأقدار دوماً أفعالاً لا نتوقعها وترمى بظلالها غير المتوقع.. وربما غير المألوف لدينا.. وبالفعل اقتحم الرجل القروى خصوصية عزوز وبلهفة شديدة وجه سؤاله ماذا تفعل هنا؟.. فرد عزوز أجلس وأعيش ساعة مع نفسى بعيداً عن وجع دماغ البشر فاستأذنه أن يجلس معه فعلى مضض قال له عزوز: تفضل.. وبدأت سلسلة التعارف المصرية المتعارف عليها الاسم.. الخلاصة أن الأهلاوى عزوز وقع فى صداقة مفاجئة قدرية مع الزملكاوى أباً عن جد مرقص عزيز..
ولأنهما مشتركان فى الهروب من مشاهدة المباراة ولأنهما أيضاً جمعتهما صداقة الخوف والقلب الضعيف.. فتحول حوارهما فجأة إلى هستيريا من الضحك وانفكت لديهما عقدة المباراة ولم يبالِ أحد بتفاصيل أو لم يدخلا فى جدل أو مناقشة حول المباراة التى تلعب أثناء جلوسهما، ولكنهما ظلا يحكيان كل للآخر عن متاعبه عند مشاهدة لقاء الأهلى والزمالك، وبالطبع كان للزملكاوى مرقص نصيب الأسد فيما لاقاه وتعرض له قلبه من مقالب فريقه الزمالك حتى أن عزوز داعبه قائلاً: لماذا لا تشجع الأهلى وتريح وتستريح؟، فرد مرقص مسرعاً أراك هارباً.. خائفاً مثلى من المشاهدة فما جدوى أن أترك زملكاويتى وأذهب للأهلى، فرد عزوز: لقاء واحد فقط أبتعد عنه وهو لقاء الزمالك، ولكنى أستمتع بباقى لقاءات الدورى، فقاطعه مرقص قائلاً: كل المستحيل أن تجد مشجعاً زملكاوياً ذهب إلى الأهلى أو العكس، فرغم أن ذلك يحدث فى تغيير الديانات الثلاث اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية إلا أننى لم أشهد أهلاويا أو زملكاويا ترك تشجيع فريقه، وأكد مرقص لصديق الخوف عزوز: لم أجد التفافاً حول فريق الكرة مثل هذا الموسم رغم أنه من أتعس المواسم فى تاريخ الزمالك، ولكنه الحب أو قل العشق، لا يجعلك تلاحظ أو تشهد عيباً أو قبحاً فى وجه معشوقتك. وانتهى حوار عزوز ومرقص وانتهت المباراة وانصرفا سوياً ليترجلا حوالى كيلو متر حتى وصلا إلى محطة ميكروباص القناطر الخيرية، ولم يلحظا ضجيجاً أحمر كالعادة! ولكن ظهرت أصوات زملكاوية سعيدة، ولكنها لا تعبر عن انتصار..
وهنا تأكدا أن المباراة ذهبت إلى التعادل، ولكن مرقص ظن أن هناك أهدافاً، فسأل سائق أحد الميكروباصات عن النتيجة فعرف أنها أصفار، وبعدها سأله رايح قليوب فقال نعم، وركب مع عزوز الذى سيكمل إلى شبرا الخيمة.. واتفقا عزوز ومرقص أن يلتقيا دوماً فى ذات المكان فى لقاءات القمة.. بعد أن جمعتهما صداقة الخوف والقلوب الضعيفة وكرة القدم وصداقة أهم وأعم صداقة عزوز ومرقص بعيداً عن تمثيليات الوحدة الوطنية وعناق الهلال والصليب التى لا نراها إلا فى أوراق الصحف فقط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة