ناصر عراق

أنفلونزا الخنازير المكسيكية وحمّى الاكتئاب المصرية!

الخميس، 30 أبريل 2009 11:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس عندى ذرة شك واحدة فى أن علماء الغرب (أوروبا وأمريكا) سيجدون حلاً ما للقضاء على فيروس أنفلونزا الخنازير الذى ظهر مؤخراً وأودى بحياة أكثر من مائة وخمسين رجلاً حتى الآن فى المكسيك وحدها، كما أصاب عدة مئات أخرى فى أمريكا وأسبانيا وفرنسا! ذلك أن الغرب عوّدنا دوماً على الجدية فى مواجهة الخطوب التى تلم به، وحتى إذا لم ينجح هؤلاء العلماء فى القضاء عليه تماماً، فعلى الأقل سيتمكنون من الوصول إلى حلول طبية ناجعة تخفف من وطأة هذا الفيروس الغريب والقاتل، ومن ثم تقلل من حدة خطورته وانتشاره!
فى المقابل، ليس عندى أى درجة من اليقين فى أن نظامنا السياسى الحالى يرغب فى أن يشفى المصريون من حمّى الاكتئاب التى اعترتهم فى الأعوام الأخيرة!

هذه الحمّى كانت ابنة طبيعية لسياسات المسئولين الكبار عندنا بامتداد عدة عقود، ذلك أن وحش الاكتئاب لا يفترس وجدان الناس إلا إذا فقدوا الأمل فى حياة أكثر رحمة وإنصافاً، وهو ما لم يتحقق بكل أسف على أيدى حكوماتنا المتعاقبة. لقد خطف حكامنا طائر الأمل من قلوب الناس، وقاموا بذبحه بدون أدنى خجل على مرأى ومسمع من الملايين.

إن إلقاء نظرة سريعة على مجمل أوضاع المصريين الآن ستصيب المرء بالرعب نظراً لما وصل إليه حالنا فى هذا الزمن الحزين! فالأوضاع الاقتصادية - وهى أكثر ما يشغل بال الجموع - سيئة بما لا يقاس، حيث يعيش أكثر من 60٪ من تعداد السكان تحت خط الفقر وفقاً للتقارير الرسمية، بينما يستمتع بالمال الوفير والحياة الرخيّة نسبة لا تزيد عن 10٪ فقط! ولعلك تذكر أزمات الغذاء - وطوابيرها المزعجة - التى مرت بمصر - وسجلتها السينما - من أول أزمة «الفراخ» فى السبعينيات، حتى كارثة رغيف «العيش» فى هذه الأيام. الأمر الذى يؤكد أن السلطة المصرية لا يهمها أن توفر لمواطنيها الحقوق الدنيا فى الحصول على أبسط مواد الإعاشة! ودعك الآن من المستوى المزرى الذى بلغه قطاع الخدمات، فلا يوجد على سبيل المثال شارع واحد فى القاهرة مرصوف بصورة جيدة، فضلاً عن انعدام أى نظام للمرور فى العاصمة التليدة، مما يجعل السير فى شوارع القاهرة - راكباً أو على الأقدام - مسألة كابوسية محفوفة بمخاطر لا حدّ لها!

هذا الاستهزاء بحياة الناس والاستخفاف بالعاصمة ومنظرها ونظافتها يؤكد تماماً أن المسئولين عندنا لا يهمهم لا تعليم ولا صحة ولا... ولا...!
ولعل ذلك ينقلنا إلى شئون السياسة التى هجرها غالبية المصريين بعد أن تمكنت السلطات من فرض القبضة البوليسية على أى نشاط سياسى محترم!
حقاً لقد نجحت السلطات فى إطلاق طيور الرعب فوق سماء العمل السياسى الجاد الذى يلوذ بالديمقراطية الحقة من أجل إجراء انتخابات حرة نظيفة، يتم من خلالها تداول سلمى للسلطة!
فعلاً.. نجحت السلطات وأصبحنا فى دولة بوليسية فظة وغليظة القلب.

لذا، لم ننعم فى مصر بكل أسف بقطف فواكه الديمقراطية، بل إننا طوال عقود لا نتجرع سوى حنظل الاستبداد المر، ومن ثم انصرف الناس عن المشاركة فى العمل السياسى، وقد فقدت، نظراً لذلك، معظم أحزاب المعارضة الرسمية كثيراً جداً من أعضائها وأنصارها، وتحولت إلى مجرد صحف لا تمثل معارضة جذرية ضد النظام، أو تطرح نفسها بديلاً جاداً ومقنعاً له!
لاحظ من فضلك أنه لا يمكن الحديث عن حمّى الاكتئاب التى تهلك أبدان وأرواح المصريين من دون الالتفات إلى شيوع ظواهر اجتماعية مخيفة تخلخل تماسك المجتمع وبنيانه مثل الفساد الذى ترعرع وتمدد فى جُلّ إدارات الدولة فصار وصمة عار فى جبين مصر وتاريخها العريق.

كذلك تفاقمت ظاهرة البطالة حيث صدرت تقارير تؤكد أن هناك 8 ملايين شاب عاطل عن العمل وأكثر من 2 مليون فى حاجة إلى زراعة كبد، و29٪ من سكان مصر أميّون، وهى أرقام مخيفة لكن يبدو أنها لا تؤثر فى أصحاب الجلد الغليظ الذين يمسكون بأهداب السلطة فى مصر ويعضّون عليها بالنواجذ!

المحزن أن الشعب المصرى العظيم لم يتعرض طوال تاريخه لعطب فى الروح مثلما يتعرض فى هذه الأعوام الأخيرة، نظراً لفقدانه الأمل فى مستقبل أجمل وأنصع وأكثر عدلاً وحرية.
لذا يمكن القول بيقين كبير أن أنفلونزا الخنازير أهون بكثير من حمّى الاكتئاب التى أطفأت ابتسامة المصريين المشرقة وسرقت منهم رغبتهم الجارفة فى حياة مستقرة وآمنة وسعيدة!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة