بين مصر وإيران الكثير من نقاط الاتفاق والاختلاف، لكن نقاط الاختلاف تستند إلى قائمة طويلة من تعارض المصالح، والصدام على الدور والمكانة الإقليمية والدولية، ورغم محاولات بعضنا الدفاع عن إيران بحق أو بغير حق، فإن الحرب الإعلامية والسياسية التى تشنها طهران علينا ليست خافية على أحد، ويمكن تلمسها يوميا فى وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة وتستحق منا جميعا التوقف قبل الدفاع المفرط عن إيران بالحق أو بالباطل.
اليوم على سبيل المثال نشرت وكالة أنباء فارس الإيرانية تقريرا بعنوان "القاهرة وأبو ظبى والمنامة على رأس الدول المستوردة للحوم الخنزير الأمريكية"، إلى هنا يبدو التقرير عاديا، لكن الغريب أن تفاصيل التقرير لا تحمل أية معلومات عن استيراد مصر للحوم الخنزير، بل العكس تماما يذكر التقرير وفقا لبيانات رسمية صادرة عن منظمة الفيدرالية الأمريكية لتصدير اللحوم أن مصر حتى شهر فبراير لم تستورد لحوم الخنازير، بينما وضعت مصر والسعودية والإمارات على قائمة أهم الدول المستوردة للحوم الأبقار الأمريكية فى عام 2009، حيث استوردت مصر 1068 طنًّا من لحوم الأبقار الأمريكية فى يناير وفبراير بقيمة 2 مليون و195 ألف دولار. أى أن الخبر يتعلق بستيراد لحوم الأبقار ولا يتعلق من قريب أو بعيد بلحوم الخنازير.
والمقصود بمثل هذا الخبر المختلق التأثير على الشعوب العربية والإسلامية، التى تتعامل بالكثير من الحذر مع تناول لحوم الخنازير خاصة فى ظل وجود نص دينى واضح يحرم تناول لحم الخنزير، بما يعنى أن الهدف من الخبر نقل رسالة مفادها أن مصر الدولة العربية والإسلامية تستورد لحوم الخنازير المحرمة شرعا.
مثل هذه النوعية من الأخبار يعرفها الصحفيون جيدا، وهى على طريقة دس السم فى العسل، أى استغلال حدث جماهيرى يحظى بانتباه الناس وإقحام معلومات غير موثقة أو مغلوطة فيه لخلق انطباعات أو إيحاءات غير صحيحة، الهدف منها التأثير على الرأى العام.
وخلال الحرب على غزة كنت أتابع بشكل مكثف وسائل الإعلان الإيرانية المختلفة ولاحظت أنها تحفل يوميا بعشرات القصص المغلوطة، على طريقة الشائعات السوداء التى تتلقفها بعض وسائل الإعلام والقوى السياسية المحلية وتنشرها باعتبارها حقائق، تؤثر فى الرأى العام وتغير اتجاهاته وتضرب التماسك الوطنى فى مقتل وتخلق حالة من البلبة التى أثرت كثيرا على مواقف الرأى العام خلال تلك الحرب.
وحتى لا يذهب البعض بعيدا وقبل أن تنالنى اتهامات الخيانة والعمالة والمارينز، فقط أوضح أننى من المؤمنين بضرورة الحوار البناء على قاعدة عدم التدخل فى الشئون الداخلية بين مصر وإيران، إيمانا بأن مثل هذا الخلاف يصب فى صالح الأعداء، لكن فى الوقت نفسه ليس مطلوبا منا إدارة الخد الأيسر كلما صفعتنا إيران على الخد الأيمن.
خلال الحرب على غزة حضر وفد من منظمة مجاهدى خلق الإيرانية إلى مصر بدعوة من إحدى منظمات المجمتع المدنى، ورفض المسئولون فى مصر لقاءه أو التصريح للمنظمة المناهضة لنظام الحكم فى إيران بافتتاح مكتب لها فى القاهرة، وبالمناسبة لم تنشر أية صحيفة مصرية معلومات عن هذه الزيارة، بينما اهتمت بها صحف خليجية، لكن الرسالة المهمة هى تأكيد المنهج المصرى الرسمى بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى.
وأنا أهدى هذه الواقعة، ومعها الأخبار الإيرانية الكاذبة والمختلقة عنا للمدافعين عن إيران فى مصر، وأنتظر منهم إجابة واضحة إلى متى يمكننا تحمل الحملة الإيرانية علينا.. وإلى متى ستظلون تدافعون عن إيران بالحق والباطل.. ومتى ستعرفون أننا نعيش فى وطن يستحق منا الغيرة عليه.. والدفاع عن مصالحه.. بالحق وليس بالباطل كما يفعل غيرنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة