أثارت تصريحات بعض المسئولين الإسرائيليين التى بدت وكأنها تربط الملف النووى الإيرانى بتحقيق السلام مع الفلسطينيين، شهية الصحف الغربية للتعليق على هذا الأمر. مجلة الإيكونومست البريطانية تناولت الأفكار التى تطرحها الحكومتان الجديدتان فى الولايات المتحدة وإسرائيل بخصوص القضايا المتفجرة فى الشرق الأوسط.
تقول الصحيفة: عندما سُئل مسئولو الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن الفلسطينيين والسلام، ردوا بحديث آخر عن إيران والتهديد بالحرب النووية. وقال أحد هؤلاء المسئولين إن أى تقدم قد يتحقق فى عملية السلام، سيتفكك إذا أصبح بإمكان إيران تصنيع قنبلة نووية.
وربما تكون هذه محاولة لتشتيت الانتباه، فرئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد بنيامين نتانياهو أمضى معظم الفترة السابقة التى قضاها رئيساً للحكومة فى التسعينيات يحاول التملص من التزامات إسرائيل فى إطار ما يعرف بعملية أوسلو للسلام تحت ذرائع مختلفة، حتى يرضى أنصاره من اليمين الدينى. لكن تصريحات المسئولين الإسرائيليين قد تدل أيضا على استعداد للنظر فى صفقة كبرى، وهى القضاء على طموحات إيران مقابل حل القضية الفلسطينية.
ويركز الأمريكيون والإسرائيليين، الذين يعدون لأول لقاء بين نيتانياهو والرئيس الأمريكى باراك أوباما الشهر القادم، بصورة متزايدة على المعادلة الفلسطينية الإيرانية. فسياسة أوباما الخاصة بمحاولة التفاوض مع إيران تثير قلق بعض صناع السياسة الإسرائيليين، لكن فى المقابل هناك وعى كبير فى الدولة العبرية بأن فرص نجاح هذه السياسة، إلى جانب قوة وفعالية المعارضة العربية السنية للطموحات النووية لإيران الشيعية، ستتوقف على قدرة أمريكا على إحراز تقدم فى عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وهذا الأمر سيفرض ضغوطا متواضعة، وإن كانت غير عادية، على نيتانياهو من قبل الأمريكيين. فالإسرائيليون قد يستفيدون من اختلاف الطريقة التى تتعامل بها إدارة الرئيس الأمريكى الحالى عن سابقتها برئاسة جورج بوش. فعلى سبيل المثال، كانت هناك مجموعة من المؤشرات على أن نيتانياهو قد يزور أوباما فى بداية شهر مايو المقبل، لكن البيت الأبيض أخبر الإسرائيليين أن الرئيس لن يستطيع استقباله فى هذه الفترة، فى الوقت الذى استضاف فيه أوباما العاهل الأردنى، الملك عبد الله الثانى، فى البيت الأبيض فى الحادى والعشرين من إبريل الجارى.
وقد بدأ نيتانياهو "المنزعج" فى إعادة النظر فى سياسته منذ شهر. وهذا يعنى، بحسب ما يقول مساعدوه، إنه لا يستطيع الإجابة فى الوقت الحالى على بعض الأسئلة الحساسة مثل مدى قبوله لحل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى على أساس الدولتين.
فخلال حملته الإنتخابية، تحدث نيتانياهو عن السلام الاقتصادى بدلاً من السلام السياسى الشامل. وفى حين أنه لا يؤيد حق الفلسطينيين فى إقامة دولة لهم، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى أخبر مبعوث السلام الأمريكى إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشيل، أنه سيصر على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كـ "دولة يهودية". إلا أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس يرفض هذا الإعلان. ويقول نيتانياهو إن هذا الإعلان ليس شرطا مسبقا للمحادثات لكنه شرط أساسى للتوصل إلى اتفاق. ويوضح مساعدوه أن الاعتراف بيهودية إسرائيل يعنى التخلى نهائياً عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. ويصر اليمين الإسرائيلى وكذلك اليسار، على أن أى عودة يجب أن تحددها إسرائيل لحماية الأغلبية اليهودية والحفاظ على الهوية الوطنية اليهودية لدولتهم.
واستخدم كل من الرئيس أوباما ومبعوثه جورج ميتشيل، مصطلح "الدولة اليهودية" بحذر فى عدد من تصريحاتهم العامة. لكن ردود فعل الأمريكيين إزاء هذا العند الإسرائيلى المبكر كانت باردة، وذكرتهم بـ "التلكؤ" الذى تبناه نيتانياهو فى فترته الأولى كرئيس للوزراء.
لكن الوضع الآن مختلف عن ذى قبل، ففريق نيتانياهو لا يتبنى نهج أيدولوجى واحد. فحكومته تضم بين أركانها حزب العمل وزعيمه إيهود باراك فى منصب وزير الدفاع. وكان نيتانياهو مصراً على وجود باراك فى حكومته للهروب من الحسابات السياسية مع المتشددين. فباراك من جانبه، كما يقول المطلعون على بواطن الأمور فى الحكومة الإسرائيلية، مصر على دفاعه عن قرار الانضمام إلى الحكومة، والذى أثار انتقادات كثيرة له داخل حزبه، وذلك بدفع عملية السلام نحو التقدم. وباراك الذى تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية فى الفترة من 1999 وحتى 2001، وقدم تنازلات غير مسبوقة فى المفاوضات الفاشلة مع الفلسطينيين برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، يدعو الآن إلى بذل جهود من أجل تحقيق "سلام إقليمى".
ويقول المطلعون على بواطن الأمور إن إيهود باراك ليس فى حاجة إلى اللعب بورقة طموحات إيران النووية لتعزيز أجندته السلمية. لكنه أكد لجورج ميتشيل أنه مستعد لإقناع نيتانياهو بميزة مساومة السلام مع الفلسطينين بالقنبلة النووية الإيرانية.
فى أثناء ذلك، وخلال الأسبوع الماضى زاد الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد من هجومه على إسرائيل فى مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية، مما أدى إلى انسحاب عدد من الوفود المشاركة. وجاء هذا الهجوم قبل الاحتفال بيوم الهولوكوست فى القدس الذى قال فيه نيتانياهو، إنه لن يدع لمنكرى المحرقة بالقيام بهولوكوست أخرى ضد الشعب اليهودى.
ويقول مسئولو حكومة نيتانياهو إن إيران، فى ظل تراجع أسعار النفط والمشاكل الاقتصادية الحالية التى تعانى منها، أصبحت أكثر تعرضا للضغوط الدولية للتخلى عن طموحاتها النووية. ونيتانياهو نفسه، أكثر من أى مسئول إسرائيلى آخر عزف، منذ منتصف التسعينيات، على قيثارة التهديد الذى تواجهه إسرائيل من القنبلة النووية الإيرانية المحتملة. وهذا ما قد يجعله معرضا بصفة خاصة لضغوط دبلوماسية تقودها أمريكا والتى تسعى إلى الانتهاء من قضيتى إيران وفلسطين فى صفقة كبرى خاصة بالسلام الإقليمى، على الرغم من حديث رئيس الوزراء الإسرائيلى الصارم عن الفلسطينيين.
وهذا هو السؤال الذى سيثيره أوباما ومستشاروه فى الوقت الذى يعدون أنفسهم لجولة من الدبلوماسية فى الشرق الأوسط.
وصفتها بالصفقة الكبرى..
"الإيكونوميست" تحذر من مقايضة القضية الفلسطينية بالقنبلة الإيرانية
الأربعاء، 29 أبريل 2009 12:22 م
جانب من تقرير الإيكونوميست