جرت العادة فى مصر القديمة على استضافة المبتعثين من كافة دول العالم، حتى صار للبعوث والمبتعثين مدينة اسمها مدينة البعوث ... ما أعظمك يا مصر حينئذ، كان تفكير المسئولين والقائمين على الأمر ينصب على كيفية احتواء القادمين إليها ودمجهم فى الواقع واعتبارهم مصريين، هذا الجزء حين يعود إلى بلاده يتحول تدريجيا إلى قطعة متنقلة من مصر تجوب العالم، وحين تلتقى بعضهم قد تأخذك المفاجأة وهو يتحدث العامية المصرية أو يقول لك (يا سلام أمال إيه) (أنا عارف كل حاجة أنا أصحابى فى شبرا وزرت إسكندرية وحضرت مولد السيدة وسيدنا الحسين وكنت ساكن فى مدينة البعوث.. فى الدراسة عند الأزهر).
كان فكرا تقدميا نحتاج إليه اليوم، خصوصا وأن مصر لم تعد قادرة على استيعاب وتسكين أبنائها الذين خرجوا من رحمها ولا يزال بعضهم يبحث عن قطعة أرض يستر نفسه فيها والبعض الآخر خرج من مصر باحثا عن مصدر رزق يؤمن له العودة (بالستر) والعيش بكرامة على أرض مصر ولو بعد حين ..
خارج مصر يعيش قرابة الخمسة ملايين مواطن مصرى، معظمهم يريد العودة إلى مكان أرحب وأوسع وربما أنظف من المكان الذى خرج منه مهاجرا أو لاجئا، بعضهم يملك القدرة على شراء أرض ومن ثم بناؤها والبعض الآخر يشترى من المستثمرين الذين حازوا على كافة الأراضى (محظوظين) ويبيعونها شققا صغيرة ومتوسطة بأسعار قد لا يقدر عليها بعض العاملين فى الخارج (وصل سعر الشقة 200 متر إلى نصف مليون جنيه).
وأمام تعليمات السيد الرئيس مبارك للمسئولين بتوفير أراض لمشروع البيت بيتك وجدت نفسى مدفوعا بفكرة قديمة حديثة عن إنشاء عدة مدن للمغتربين، فذات يوم وقبل عدة سنوات كتبت فى جريدة السياسة الكويتية عن فكرة (تأسيس المنتدى الاقتصادى للمصريين فى الخارج) وكنت آمل فى أن يسمع صوتى أحد من هنا أو هناك، ولكن يبدو أن نغمة صوتى نشاز إلى الدرجة التى تم تجاهل الفكرة بأكملها واليوم وقد تعالت الأصوات من هنا وهناك عن ضرورة النظر إلى المصريين فى الخارج لأنهم أهم ثالث مصدر للدخل القومى المصرى، هؤلاء يبحثون عن آلية لتوظيف استثماراتهم فى بلدهم الحبيب، يريدون وأنا منهم أن نصنع شيئا لبلدنا.. نريد أن نبنى مدنا بأسماء الدول التى تستضيفنا، فما المانع أن تتعاون الدولة مع هذه الفكرة فتمنح أراضى بسعر معقول للمصريين فى الكويت ليبنوا مدينة الكويت وآخرين ليبنوا مدينة قطر وآخرون ليبنوا مدينة البحرين ..
إن بناء مدن جديدة للمصريين فى الخارج سيحقق ما يلى:
تخفيف العبء على ميزانية الدولة من خلال تقليص ميزانية البنية التحتية التى يتعين على القائمين على هذه المشاريع تنفيذها.
توسعة عمرانية وفق أسس علمية حديثة .
ضخ المزيد من الأموال إلى السوق المصرى.
فتح سوق العمل لعشرات الآلاف من العائدين فى ظل الأزمة المالية الطاحنة والتى أدت إلى رجوع عدة آلاف مرشح أن يصل عددهم إلى نصف مليون مع دخول الصيف.
زيادة الانتماء والشعور بالوطن وبأن مصر فيها من يهتم بالمصريين فى الخارج.
تخفيف الحمل على المدن القديمة.
أعتقد أنه من الحكمة أن تستمع مصر إلى صوت أبنائها فى الخارج، ليس مجرد استماع عادى بل استماع إيجابى وأن تتفاعل معهم تفاعلا يزيل سنوات من الإهمال والشك فى أن المسئولين بالفعل جادون فى الاهتمام بعدة ملايين هم مصدر قوة حقيقى لهذا البلد.
وأتمنى على الفضائيات المصرية والبرامج الحوارية أن تأخذ الموضوع موضع الجد وأن تتبنى هذه القضية، فاقتصاد مصر يحتاج إلى هذه النوعية من المشاريع العملاقة والوطنية، كما يحتاج العاملون فى الخارج أن يشعروا بأنهم جزء من هذا البلد.
هذه دعوة مفتوحة للبيت بيتك والعاشرة مساء وتسعين دقيقة وبلدنا والحياة اليوم لتبنى القضية ... وعمار يا مصر.