الحكمة القديمة تقول إنه "لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع"، والمثل اليابانى الشهير يؤكد أنه "لا نقاش فى الأذواق" .. والعقل والمنطق يؤيد ذلك بل ويحث عليه، فأصابع اليد ليست مثل بعضها، والاختلاف والتنوع مقبول وطبيعى.. لكن الخلاف هو المشكلة، الخلاف هو الذى يولد التباغض والانقسام.. وهذا ما يحدث مع الأسف فى كل شىء فى حياتنا.. فى الرياضة والفن والسياسة والدين. أنت أهلاوى ولا زملكاوى.. فيروزى ولاّ كلثومى.. عمراوى ولاّ تمراوى, حكومى أم معارض.. حمساوى أم فتحاوى.. سنى أم شيعى.. إخوان أم قاعدة.. فلا أحد منا يحترم اختيارات الآخر، أو يعترف بحقه فى التميز والاختلاف، مادام لا يضرنى أو يسفهنى أو يتعدى على حقوقى أو يسخر من تفضيلاتى، أو يريدنى أن أكون مثله، وإلا أصبحت خائناً أو عميلاً أو غبياً.. فمنطق "من أحبنى أحب كلبى".. و"من ليس معى فهو ضدى" يزرع الضغينة بين الناس ويفرض الرأى بالقوة، ويجبر الجميع على أن يتحول إلى قطيع بلا رأى أو رؤية.. فالكل فى واحد.. والواحد هو الأب الملهم الزعيم المسيطر الذى إن مات أو قتل ضاع الرمز، وتاهت القضية وانفرط العقد وتجرأ الفئران على الأسود.. وأصبح كل من هب ودب يتصرف على مزاجه ومن دماغه وحسب مصالحه الغبية الضيقة، حتى ولو تحالف مع أعداء الأمة التاريخيين والحاليين.. فالفراغ الحاصل لابد لأحد وأن يملأه.. وغياب الكبار يتيح الفرصة للصغار لكى يكبروا ويعاندوا ويتجرأوا، ويرقصوا رقصة الموت على جثة التنين النائم.. والحل أن ننمى لدى الأجيال الجديدة ثقافة الاختلاف، ونعلمهم أن حسن الاستماع أفضل من كثرة الكلام.. وأن الخلاف فى الرأى يجب ألا يفسد الود، وأن مناقشة الأفكار أجدى وأكثر فائدة من محاكمة الأشخاص.. وأنه إذا أشار إصبع إلى القمر، فالأغبياء وحدهم هم الذين ينظرون إلى الإصبع.. وأن يداً مليئة بالقوة خيرٌ من حقيبة مليئة بالحقائق – كما قال نيتشه – وأن أمة الكلام التى ضحك من جهلها الأمم ، آن لها أن تتخلى عن الصياح وتبدأ العمل.
وقديماً قال شوقى:
إلام الخلف بينكم إلام
وهذه الضجة الكبرى علام
وفيم يكيد بعضكمو لبعض
وتنسون المحبة والوئام