للوهلة الأولى يبدو المنظر لناظريه غريباً.. غير مألوف، وشاذاً فى أحيان أخرى.. فلم نعتد هنا فى مصر أن نرى شاباً يضع "حلقاً" فى فمه أو فى حاجبه، أو فى أى منطقة أخرى من وجهه.
و لا أنكر أنى عندما رأيته أصابتنى حالة من الاشمئزاز و النفور، صاحبها عدد من النظرات الموجهة له والمتأملة فيه، مما لفت انتباهه لى، و بما أنه كان يجلس جوارى مباشرة، فالحوار بيننا كان ممهدا، والطريق للتواصل كان مفروشا بالورد، والحقيقة أن الشاب لم يمانع مطلقا فى الحديث معى، وتقبل كل أسئلتى بصدر رحب, وأجاب عليها بصراحة تامة. سألته لماذا يضع "حلقان" فى وجهه بهذه الكمية, وبهذه الطريقة الملفتة للنظر, فأجب مبتسما "أنا أيموز", سألته وعلامات التعجب على وجهى "يعنى إيه أيموز", فقال "عادى يعنى.. شوية شباب ليه أستايل معين, وشكل مصرين أنهم يكونوا عليه".
أصمت للحظات أتذكر فيها أين سمعت هذه الكلمة من قبل "أيموز"؟, فأتذكر أن الإعلامى وائل الإبراشى قد أستضاف عدداً منهم فى حلقة من برنامجه التلفزيونى, وبعدها شن المجتمع حملة هجوم عليهم متهماً إياهم, بالكفر والإلحاد والشذوذ الجنسى.
أقول له ما تذكرته, فتظهر علامات الغضب على وجهه, ويقول "الكلام ده كله غلط ", أطالبه بتوضيح الحقيقة, طالما أنه يرفض هذا الكلام, فيخبرنى أنهم مجموعة من الشباب يعانون من حالة اكتئاب نفسى, ويفضلون العزلة عن المجتمع, وأنهم يرتدون ملابس سوداء دائما, وذلك للتعبير عن حالة الاكتئاب التى يعانون منها, إضافة إلى أن شخصيتهم تتسم بالحزن والتشاؤم والصمت والميل إلى الخجل، والحساسية العالية فى التعامل مع الآخرين, وعلى عكس المجموعات الشبابية الأخرى, لا تجد شباب المجموعة الواحدة فى "الأيموز", متواصلين بشكل إنسانى, هم فقط يتجمعون فى مكان واحد, ليجلس بعد ذلك كل شخص بمفرده, ليستمع إلى الموسيقى التى يفضلها الأيموز, والتى تعتبر خليطا بين "الميتيل والروك والجاز", أو ليمارس طقوسه.
ونتيجة لحالة الحزن المفرط التى يضع فيها شباب "الأيموز" أنفسهم, يلجأ البعض خلال تلك الحفلات التى ينظموها إلى أحداث جروح بأنفسهم كنوع من التعبير عن رفضه لشئ معين أو الانتقام من أنفسهم بسبب خطأ ما ارتكبوه, أو لشعورهم بالذنب, أو لإلهاء أنفسهم بالألم الجسدى عن الألم النفسى, رافضا كل ما يتردد عنهم بأنهم ملحدون أو شواذ.
إلى هنا ينتهى حوارى مع هذا الشاب, الذى عرفنى بنفسه على أنه أيموز, وكشف لى العديد من الإسرار الخاصة بهذه الفئة, أو المجموعة, أو أى مسمى آخر يمكن أن نطلقه عليهم.
لكن الحوار استمر مع صديق يعمل مدرسا لعلم الاجتماع بجامعة القاهرة, والذى سألته عن تفسيره لهذه الظاهرة, فى البداية ضحك صديقى بشدة وقال "ظهور مثل هؤلاء الشباب يدل على أن المجتمع المصرى لازال مجتمعا طبيعيا", أتعجب من كلامه, وقبل أن أطالبه بتفسير ما يقول, يقاطعنى قائلا "أى مجتمع طبيعى فى العالم يظهر به مجموعات من الشباب الغاضبة, المتمردة, والذين يبحثون عن ذاتهم بطرق قد تبدو لنا طرق شاذة, وظهورهم يرجع بشكل رئيسى إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية, و حالة "القلق العام" التى يعانى منها هذا الجيل".
يصمت صديقى قليلا ثم يقول وعلى وجهه علامات الضيق "الجيل الحالى يعانى من عدد لا حصر له من المشاكل، سواء كان أبناء هذا الجيل ينتمون إلى الطبقات الثرية أو إلى الطبقات الفقيرة, فهم يعانون من حالة إحباط وقلق دائم من المستقبل, الذى يبدو لهم جميعا بلا استثناء, مستقبل أسود, ليس له ملامح".
ولهذه الأسباب يطالبنى صديقى بعدم التحامل على هؤلاء الشباب أو غيرهم, واصفا إياهم بضحايا المجتمع, وتخبطه الفكرى والثقافى والدينى, مبديا حالة تعاطف شديد معهم.
وبعد ساعات من الحوار مع صديقى, ينتهى الكلام بيننا, ليبقى سؤال واحد لم أجد له إجابة حتى الآن, و هو "هل هذا الجيل بالفعل ينتظره مستقبل أسود بلا ملامح, أم أن القدر يحمل لنا العديد من المفاجآت السارة؟".
ويبقى الحب:
- عودتها تعنى عودة الروح.. وبقاؤها يعنى الخلود.
- من يخون مرة, يخون عشر.. فلا تسمح له أن يتلاعب بك مرة أخرى.
- حبيبتى.. حبى لك كالحرب المقدسة, أخوض غمارها مبتسماً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة