لست من هواة "تسبيك" الطعام ولا الكلام!
فكما يؤدى الأول إلى التلبك المعوى، والأضرار الصحية التى أخفّها الأمراض المزمنة بالقلب والشرايين، فكذلك الثانى، تلبكه فكرى واضطراباته التى يسببها مدمرة للعقل والوجدان.
وفى مقال "انتصار وأخواتها والإخوان" أحسست بمزيج من الدهشة والحزن والشفقة والأسف وأنا أتابع ردود أفعال القراء وتعليقاتهم، قام بعض القراء أعزهم الله من خلال تعليقاتهم بوضع كلامى على النار"للتسبيك"، ونار تسبيك الكلام هى نار فتنة بلا شك، فمنهم من تطوع وألحقنى بجماعة الإخوان ثم شرّف أحدنا بأن جعل الجماعة "تلفظنى"، ومنهم من تبرع وصاح مهللاً للمقال على أنه ضربة قاضية للإخوان، ومنهم من أكد أن المقال به تعميم مخل، ومنهم، ومنهم.. إلخ.
والحقيقة أننى كتبت مقالاً "إنسانياً" كنت فيه صريحة وواضحة، فطلبت من القارئ الكريم أن يلغى جميع اعتباراته وعداءاته، وخلفياته، "ولو مؤقتاً"، ويكون فقط "إنساناً" يقف إلى جوار "إنسان".
لم أدافع عن شىء سوى إنسان تعرض للظلم فى مجتمع "مصرى"، إنسان جاء بنفسه يطلب النصرة، لا يفرق ما يتعرض له من ظلم كان من الوطنى أو الإخوان أو اليسار أو البهائيين أو الجن الأزرق المصرى.
كانت القضية "ظلم" ينبغى رفعه أياً كان من أوقعه، وأياً كان من وقع عليه، وأياً كان من تم اللجوء إليه.
حياديتى الصحفية كانت الحاكمة، تحدثت إلى الزميل مجدى، وسمعت منه، ثم استأذنته فى الحديث إلى انتصار وقد كان، وقدمت لى دلائل على وقائعها التى تحكى عنها فاحترمتها، ورأيت أنه من حقى كفرد وسط كل الأمواج المتصارعة من الأيديولوجيات والأفكار والأحزاب والجماعات، أن أحتفظ لنفسى بأفكارى التى لا تنتمى إلى أحد منهم، وأن أعبّر عن رأيى فتسرنى الحسنة، وأستاء للسيئة الفكرية والأخلاقية مهما يكون من صدرت عنه.
وأمانة الصحفى أيضاً كانت حاكمى فى النشر، فاقتصرت على الحديث عن السيدة انتصار وفقط، على الرغم من أن أكثر من امرأة فى حالات شبيهة قد أسررن إلىّ بالمشكلة ذاتها، ولكننى احترمت عدم رغبتهن فى النشر.
وقناعاتى، كانت وستظل، أن أفراد المجتمع بحاجة إلى التحرر من ولاءاتهم فى أحيان كثيرة لكى ينصفوا الناس من أنفسهم، أما أن نهدر الأوقات والطاقات فى تبرئة الحلفاء، أو أن نعرف أن الحق معروف ومعلوم من الدين والدنيا بالفطرة، وأنه مقصد وضرورة، وأن الرجال يعرفون به وإلا سقطوا من حسابات الرجولة والتاريخ، ولا نفعل، فالبشرى عاجلة بأننا سنظل نعرف كل شىء ولا نفعل أى شىء حتى يضيع كل شىء!
كوارث كثيرة تعمنا بسبب أن، مختلف الجماعات والأحزاب، ما زالت تسبح بحمد العصمة، وتضيع فرصة قد تكمن فى نقد لاذع يحمل فى طياته إرشادات نافعة، فإذا بالأشخاص المعادين يقدمون خدمة لا تضاهى.
وددت لو أننا قررنا جميعاً أن نعيش "حالة" من الحب لا تعنى التنازل ولا الإلغاء ولا التهميش، "حالة" هدفها أن نتحاور حواراً حقيقياً بلا نفاق، انتمى بالطبع إلى حزب السذج وبكل جدارة.. أعرف.. ولا بأس.
ما أراه أنه لا ينبغى أن نعيب على المرأة ما قامت به، فماذا يفعل من ليس يملك غير جناحين فطار بهما إلى أى مكان بحثاً عن الإنقاذ؟! ماذا يفعل من ضاقت به الأرض والعقول بما رحبت؟!
من حقها أن تبحث عن كرامتها وكرامة أطفالها عند القضاء وعند الصحافة، ما دام مجتمعها قد تخلى وألجأها إلى ذلك، وها هى قد فعلت.
مظالم الحكومة تقع فيفرح المعارضون، ومظالم من المعارضين تقع فتشمت الحكومة!.
وقس على ذلك كل الجماعات والأحزاب، ولا أحد يتعصب للحق ودفع الظلم.. ثم نسأل من أين تأتينا الخيبات الواحدة تلو الأخرى؟.
هل يخرج حالنا بعيداً عن هذا أو ذاك؟ ما بين التخوين والشماتة نقع، وكلاهما لا يغير ولا يفيد.
نشتغل بمناهضة القهر السياسى حتى الاجترار، ولا نلقى بالاً للقهر الاجتماعى، الذى يفتح أفواهه استعداداً لالتهام مجتمع متخبط الخطوات، عشوائى الأولويات، يقدم لنا كل يوم وكل ساعة المزيد والمزيد من الصور الاجتماعية الصادمة.
سؤال عابر ولكنه مهم: ما رأيكم لو اهتممنا قليلاً بما يدعى "البصيرة"؟.
وأخيراً فإن حريتى كما أراها هى "أن أكون كما لا يريدون لى أن أكون.. حريتى أن أوسع زنزانتى"، بالفعل كما نطق محمود درويش، مات هو، ولكن الحرية أبداً لا تموت، وإن بقيت زنازينها التى نصنعها أحياناً، أو كثيراً، بأيدينا.
لا أدرى كيف أختم كلامى، ولكننا لو بقينا كما نحن نتحين الفرص للفتن، ونصارع طواحين الهواء، متراجعين فى كل مجال، قابعين فى الكهوف، فإنها كما كان يقول الإعلامى القدير حمدى قنديل مختتماً حديثه بلا أمل وبكل ضيق.
"حاجة.. تـقرف".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة