كانت حصة التعبير هى أمتع الأوقات بالنسبة له، فبين سطور كراستها ينطلق بقلمه ليعبر عما بداخله ويتفنن فى انتقاء الكلمات والعبارات ليخرج موضوعاً مختلفاً عن باقى زملائه، وكم كانت فرحته عندما كتب أول موضوع له فى الصف الأول الابتدائى، مما أذهل مدرسته التى دعته لقراءة موضوعه على زملائه فى الفصل، ودعتهم للتصفيق له عندما انتهى من قراءته.
وكان على قدر سنه لا يعى حقيقة الأمور وبواطنها، فهو لا يعرف معنى لظروف بلده، ولا صعوبة العيش بها، ولا ماذا تعنى البطالة، كما لا يدرك إحساس الشباب الذين وصلوا لسن الزواج، ولكن لا يملكون نفقاته، ولا يجدوا العمل الذى يوفر لهم هذا، فكانت كتاباته أشبه بكتابات المؤيدين للحكومة الشاكرين أفضالها وتعبها مع الشعب المرفه المنعم، فدائماً ما يكتب عن المشاريع التى تفتح، والاستثمارات التى تدخل البلد، والأراضى التى تستصلح، والخير الوفير الذى تعيش فيه مصر.
واستمر على هذه الحال للصف الثالث الإعدادى، وما إن التحق بالمدرسة الثانوية وبدأ يتوسع إدراكه وفهمه ويكثر اضطلاعه واحتكاكه بالناس، إلا وقد صدم بالواقع الأليم الذى لا يوجد فيه أى معالم لتعمير ولا استثمار ولا استصلاح، ولكن حال ينطق بالفقر والحاجة والمعاناة، والآباء القلقين على مستقبل أولادهم، والشباب المنهك من تعب العمل الذى لا يجدى من خلفه إلا مرتبا قد لا يكفى مصاريف كلب يعيش فى بيت مترف، أشياء وأشياء استوقفته أمام نفسه بسؤال بديهى...؟؟ أين نتائج ما أسمع عنه من مشاريع ومصانع تفتح، وأراضٍ مستصلحة تحصد وتنتج، وكثير وكثير مما كان يكتب عنه فى مواضيع التعبير.
وبالفعل وجد الجواب فى كلام المسئولين الذين أكدوا على أن مصر تمر بكثير من الإصلاحات والإنجازات التى ستحسن مستوى معيشة محدودى الدخل، ولكن هذا الفارق لا يظهر مباشرة لكنه يحتاج لبعض الوقت، وعندها اقتنع بالإجابة لأنها كانت المرة الأولى التى يسمعها، ومرت السنون فانتهى من المرحلة الثانوية ومرحلة الجامعة أيضاً والحال كما هو عليه دون تغيير أو تجديد، بل وأصبح أصعب من ذى قبل، لأنه الآن أصبح مكان الشباب الذى كان يسمع معاناتهم وهو صغير ولا يدرى، فهو الآن يريد أن يعمل، يريد أن يتزوج، ولكن أين هذا وأين ذاك، وتكرر نفس السؤال السابق...؟؟؟ وتكررت معه نفس إجابة المسئولين أن هذه الإصلاحات لم تظهر نتائجها مباشرة، وأنها تحتاج لبعض الوقت، لكن هذه المرة عرف أنها إجابة خادعه لا تجدى ولا ترضى.
وبالصدفة رأى مدرسه الذى كان يشجعه على الكتابة وهو فى المرحلة الإعدادية، فاقترب منه وسلم عليه وذكره بنفسه وقص عليه ما يدور بنفسه وحكايته مع مواضيع التعبير، وسأله نفس السؤال...؟؟ متى سنشعر بالإصلاحات التى تحدث بمصر!! فمنذ أن وعيت وفهمت وأدركت وأنا أسمع ولا أرى شيئا فمتى يا أستاذى...؟؟؟ فرتب المدرس على كتفه برفق وقال: عندما تعلم أن ما تريده لا يمكن أن يحققه لك إلا أنت ...ثم انصرف!!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة