أثار كتاب للباحث الأمريكى "بروس روثرفورد" بعنوان "مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديمقراطية فى العالم العربى"، ردود أفعال متباينة فى أوساط الخبراء والباحثين الغربيين المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط.
حاول روثرفورد فى كتابه تحليل القوى السياسية الرئيسية فى مصر، والتى لخصها فى "جماعة الإخوان المسلمين المحظورة رسميًّا، والقضاة ورجال الأعمال"، ويرى الكاتب أن تلك القوى الثلاث تعمل بشكل متوازٍ فيما بينها داخل النظام السياسى المصرى، وليس بصورة موحدة، من أجل التأثير على مستقبل مصر السياسى.
ويرى الكاتب، أن هناك صعوبة فى وصف ما يحدث فى الشرق الأوسط بالتحول الديمقراطى، وإن كانت بعض الشواهد خلال عام 2005 كانت تشير إلى أن هناك "ربيعاً" للديمقراطية، ومن بينها الانتخابات فى العراق، ومعارضة ملايين اللبنانيين للنفوذ السورى، والانتخابات البلدية فى السعودية لأول مرة فى التاريخ السياسى السعودى، وزيادة عدد الناشطين السياسيين فى القاهرة من مختلف الأطياف السياسية.
إلا أن هذا الربيع لم يتمخض عنه ارتياح فى الأوساط الغربية، وفى إدارة بوش، باقتراب التحول الديمقراطى فى القاهرة، والذى وصفه الكاتب باللغز.
ويضع الكاتب يده على جوانب "اللغز"، حيث يشير إلى أن القوى المعارضة بكافة ألوانها السياسية تعارض الولايات المتحدة الأمريكية، كما تعارض النظام السياسى، إلا أن هذه القوى نفسها منقسمة على ذاتها، وطوال 6 عقود، وهو ما يصعب من تصور تجمع قوى المعارضة فى ائتلاف موحد يمثل ضغطًا نحو التحول الديمقراطى، حسب المؤلف.
الإخوان تحولات منذ النشأة
ويستعرض الكتاب نشأة وتطور وأهداف جماعة الإخوان المسلمين، التى يرى أنها إحدى القوى السياسية الثلاث فى مصر، وعلاقتها بالسلطة منذ نشأتها، ويقول الكاتب، إنه منذ ثورة 1952، وهناك تياران سائدان فى التحليل الغربى لدور جماعة الإخوان المسلمين فى النظام السياسى المصرى، أولهما يرى أن الجماعة فاعل قوى فى النظام السياسى المصرى، والذى لا يمكن إغفاله عند الحديث عن الإصلاح السياسى فى مصر، أما التيار الآخر فيرى أن جماعة الإخوان المسلمين لا تختلف عن حزب الله وحماس وحركات المقاومة فى المنطقة، التى تصنفها الولايات المتحدة والدول الغربية على أنها جماعات إرهابية، وأنها تهدف لتدمير الولايات المتحدة، ناهيك عن معارضتها المصالح الأمريكية فى المنطقة، وبين هذين التيارين يرى الكاتب أن هناك تياراً من الباحثين والمحللين الغربيين، يركزون على تطورات داخل الجماعة، وتصعيد قيادات شابة تؤمن بالمسئولية والشفافية وحكم القانون، ولكن هؤلاء الباحثين فى الوقت ذاته لا ينسون تاريخ الجماعة المسلح والغاية العليا لها من أسلمة المجتمع والنظام السياسى المصرى.
يرى روثرفورد، أن هناك تطوراً ليبرالياً فى جماعة الإخوان المسلمين، مستندًا إلى مواقفها من حقوق المرأة، وتراجع الجماعة عن العنف ودورها السياسى فى الانتخابات وتحالفها مع عدد من قوى المعارضة فى الانتخابات، وتقديمها برنامجاً انتخابياً "غير ليبرالى".
نزول القضاة إلى الشارع سيساعدهم على تشكيل مستقبل مصر السياسى
يرى المؤلف أن كثيراً من الباحثين والمحللين يتجاهلون دور القضاء المصرى، الساعى إلى مؤسسة تقدمية مؤمنة بالقيم الليبرالية، بوصفها ذات سلطة عليا فى النظام السياسى المصرى تسعى إلى الاستقلال، ويشير الكاتب إلى دور القضاء المصرى فى تدشين جدل حول قوة وشرعية النظام السياسى المصرى منذ الثمانينيات، حيث أرغمت المحكمة الدستورية العليا الحكومة على تغيير قوانين الانتخابات أكثر من مرة، كما يشير إلى دور القضاء المصرى فى الانتخابات البرلمانية فى عام 2005، هذا ويستعرض المؤلف العقبات والقيود التى واجهت القضاء فى عام 2006، والصراع بين القضاة والحكومة والشد والجذب بينهما، وإلى مظاهرات القضاة وسط القاهرة أكثر من مرة من أجل مطالبهم، ويرى الكاتب أن هذا الصراع بين الحكومة والقضاة، راجع إلى محاولات الحكومة المستمرة إلى تسييس القضاء، وإلى مساعى القضاة إلى استقلال مؤسسة القضاء وفرض حكم القانون، ويرى الكاتب أن القضاء يمكن أن يعبر بطرق عن ضمير المصريين، وعن المتطلعين إلى حريات ومستقبل ديمقراطى أفضل، وأنه بمناصرة القضاة ونزولهم إلى الشارع المصرى بفاعلية، مثلما هو الحال فى باكستان، سيساعد القضاء المصرى فى تشكيل مستقبل مصر السياسى.
رجال الأعمال قوة دفع نحو الليبرالية
ويرى مؤلف الكتاب، أن رجال الأعمال أضحوا أحد الفاعلين فى النظام السياسى المصرى، مشيراً إلى وزارة الدكتور أحمد نظيف الحالية، والتى لم تتغير فى التعديل الوزارى الأخير، وهنا يعبر المؤلف عن اعتقاده فى أن ثلاثة من الوزراء، هم الذين يصوغون السياسة الاقتصادية لمصر منذ عام 2004، وهم رشيد محمد رشيد وزير التجارة ويوسف بطرس غالى وزير المالية والدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار، مشيراً إلى أن الحزب الوطنى أصبح حزب رجال الأعمال، حسب المؤلف الذى أشار إلى دور متنامٍ لعدد من كبار رجال الأعمال بالحزب، ومن بينهم أحمد عز وطاهر حلمى رئيس مجلس إدارة الغرفة الأمريكية للتجارة، ويرى المؤلف أن رجال الأعمال المصريين هم أحد الدافعين والمؤثرين على النظام، لتبنى إجراءات ليبرالية بوصفهم القوة الثالثة الأهم.
ويلخص بروس روثرفورد رؤيته فى أن القوى الثلاث "الإخوان، والقضاة، ورجال الأعمال"، هم القوى الأساسية نحو التحول الديمقراطى فى مصر.