محمد حمدى

حكايتى مع فيروس سى..

الدواء المميت والوهم الخادع

الأحد، 26 أبريل 2009 03:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إلى جانب الكثير من الموضوعات المتعلقة بلقمة العيش والبحث عن فرصة عمل، يهتم المصريون بشكل كبير جداً بفيروس سى، نظراً لأن مصر من أكبر بلاد العالم إصابة بالمرض، بسبب انتشار وتوطن البلهارسيا فيها لسنوات طويلة، ولأنها لم تكتشف أهمية تعقيم الأدوات الجراحية وطب الأسنان ومستلزمات الحلاقة وأدوات الكوافير، ومع ارتفاع نسبة الإصابة بالفيروس لا يكاد بيت مصرى يخلو من هذا المرض اللعين.

ولأن فيروس سى يؤدى إلى مرضين خطيرين جداً، الأول هو التليف الكبدى والثانى سرطان الكبد والبنكرياس مما يؤدى إلى الوفاة، فإننا نتعامل معه برعب شديد، يدفعنا فى كثير من الأحيان إلى تلمس سبل النجاة منه حتى ولو كانت غير علمية أو معترف بها.

اكتشفت إصابتى بفيروس سى قبل عامين، فى وقت رحل فيه عن عالمنا أكثر من صديق بسبب مضاعفات الفيروس، وقد وجدت نفسى فى دوامة الخوف والرعب فجأة بين خيارين: إما السير وراء الطب مستسلماً للعلم راضياً بقضاء الله والأخذ بالأسباب، أو الاندفاع وراء حالة القلق التى انتابت الأهل والأصدقاء فراحوا كل يوم يمطرونى بالجديد فى علاج فيروس سى .. بداية من لسع النحل مروراً بالعلاج بالقرآن، وانتهاء بالأعشاب والطحالب والأوزون ولبن وبول الإبل، واكتشفت بعد عدة أشهر أننى أدور بين الكثير من الوهم الخادع الذى لا يثمن ولا يشفى من جوع فعدت إلى العلم.

قال لى الدكتور شريف عبد الفتاح أستاذ الجهاز الهضمى والكبد، إن العلاج الوحيد المتاح والمعترف به علمياً لفيروس سى هو حقن الإنترفيرون، وبمنتهى الصراحة والمهنية وضعنى أمام الحقائق الكاملة: نسبة الشفاء فى حدود 40%، لكن مضاعفات الحقن كثيرة جداً، تبدأ من انهيار الجهاز المناعى حتى الرغبة فى الانتحار.

النصيحة الثانية: لا تقرأ ما يقال فى الصحف، ولا تبحث على الإنترنت، إذا أردت معرفة كل شىء عن فيروس سى وحقن الإنترفيرون، راجع موقع الجمعية الطبية الأمريكية فرع أمراض الكبد، واقرأ جيداً عن مضاعفات الإنترفيرون قبل أن تشرع فى العلاج، وتسلح بالإرادة والإيمان.

أخذت كلام الطبيب ونفذته بالحرف الواحد وبدأت رحلة العلاج بالإنترفيرون، لمدة ستة أشهر عشت ما لم أعشه من قبل، وعرفت معنى أن تعيش مع الإنفلونزا العادية لعدة شهور دون دواء ودون شفاء، وكيف لا تستطيع أن تصعد درج السلم، ويسقط شعرك، وتكره نفسك والحياة كلها، ثم بعد ذلك تكون من نسبة 60% الذين لا يفلح معهم الإنترفيرون، لكن رحلة تعاطى الحقنة الأسبوعية فى معهد الكبد عرفتنى على الكثيرين من أعضاء نادى مرضى فيروس سى، وشاهدت الكثيرين ممن أنهوا رحلة العلاج، كنا نهنئهم ونتمنى أن نلحق بهم لكنها إرادة الله.

لم يكتب الله لى الشفاء من فيروس سى، لكن استمرار الفيروس لا يعنى أبداً العودة إلى من يتاجرون بآلام المرضى ورغبتهم فى الشفاء، صحيح أن فيروس سى له مضاعفاته الخطيرة التى تهدد الحياة، وقد رأيتها مع أكثر من صديق رحل عن عالمنا، بسبب التليف الكامل للكبد أو الإصابة بالأوروام السرطانية، لكن قبل الوصول إلى هذه الحالة المتأخرة يمكن التعايش مع فيروس سى، وهذا ما تعلمته من رحلة العلاج والتجريب والأوهام الكثيرة.

فيروس سى مرض خطير، لكن أى إنسان يمكنه التعايش معه دون خوف من المستقبل، بالعلاج العادى مع أدوية تحسن وظائف الكبد ومضادات الأكسدة لمنع تطور المرض، أو استفحاله وتوحشه، مع بعض العادات الغذائية المهمة مثل التوقف تماماً عن تناول اللحوم، وعدم تعاطى أى دواء دون استشارة الطبيب المختص فى أمراض الكبد، وعدم تعاطى الكحوليات، ثم الامتناع نهائياً عن التدخين، وتناول الخضروات والفواكه الطازجة الغنية بمواد الأكسدة التى تقلل احتمالات التعرض للإصابة بالسرطان.

أتعايش مع فيروس سى، وحولته من عدو إلى صديق محايد، لا يهاجمنى، ولا أعطيه الفرصة للانتشار والتوغل فى جسدى، فى نفس الوقت الذى أرفض فيه التعاطى مع الدجالين ومع أصحاب الاكتشفات الوهمية، فحتى الآن لا يوجد غير الإنترفيرون كعلاج مجرب ومعترف به على مستوى العالم، أما غير ذلك، فمجرد تجارب شخصية تتم بشكل غير علمى.. فلا تجعلوا أنفسكم فئران تجارب.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة