محمد رفعت

فخ الكتابة اليومية!

الخميس، 23 أبريل 2009 08:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كتابة العمود اليومى من أصعب فنون الكتابة الصحفية.. ورغم مئات الكتاب الثابتين الذين يواظبون على الكتابة اليومية فى عشرات الصحف الحكومية والخاصة، إلا أن المعروف والمؤثر منهم، عددهم محدود للغاية.. أشهرهم سلامة أحمد سلامة وأنيس منصور وصلاح منتصر ومكرم محمد أحمد، وفهمى هويدى الآن فى الشروق، بعد انتقاله إليها من "الدستور"، والراحل مجدى مهنا فى "المصرى اليوم"،.. وزمان كان الكاتب السياسى محمد حسنين هيكل والراحل العبقرى أحمد بهاء الدين وصاحب "فكرة" مصطفى أمين، وجلال الدين الحمامصى هم أفضل كتاب المقال اليومى.

وصعوبة كتابة العمود الصحفى اليومى تكمن فى الحفاظ على السخونة والتقاط فكرة جديدة وجريئة كل يوم.. والقدرة على التعبير عن الأحداث الجارية والقضايا الملحة بطريقة عميقة وبسيطة فى نفس الوقت ومختصرة جدا وفى مساحة صغيرة للغاية.. ويروى عن الزعيم الراحل سعد زغلول أنه كتب خطابا مرة لأحد أصدقائه، قال له فى آخر سطر فيه: "أعتذر عن الإطالة، فلم يكن لدى وقت للاختصار"!.. والمقارنة بين العمود الصحفى ومقال الرأى، مثل المقارنة بين الرواية والشعر، فالرواية هى فن السرد والوصف، والشعر هو فن الإيجاز والتعبير عن الفكرة العميقة والصورة الموحية بأقل عدد من الكلمات، وفى ظل قيود الوزن والقافية والبحر والتفعيلة, وكذلك كاتب العمود الصحفى، فهو مطالب بأن يعبر بسرعة وبأسلوب تلغرافى رشيق عن رأيه فى قضية أو موضوع أو حدث يستلزم شرحه فى عشرات الصفحات فى كلمات قليلة، وباختصار عير مخل، وبشكل غير مباشر، وبحيث لا تهرب منه الفكرة أو يخونه التعبير..

والحقيقة أن اللبنانيين أشطر كثيرا منا فى هذا الفن الصحفى الصعب، ويكفى أن تقرأ مثلا لـ"جهاد الخازن" أو حازم صاغية، أو غسان شربل فى الحياة، وتقارنهم بكتاب أعمدة مصريين، حتى تعرف الفرق فورا بين الكاتب المحترف والكاتب الدخيل.. والمشكلة هنا ليست فى أن معظم كتاب الأعمدة من المحسوبين على النظام أو الحكوميين.. فلقد كان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل حكوميا ورئيس تحرير أكبر صحيفة حكومية، وكان يدافع عن نظام عبدالناصر، ويبرر له أخطاءه وإخفاقاته ويهاجم خصومه وأعداءه، لكنه كان يكتب بوعى وحنكة وحرفية صحفية، ويرتكن إلى حقائق ومعلومات يوجهها كما يشاء، ولمصلحة من يكتب من أجله.. ولم يكن يهبط أبدا إلى مستوى "الردح" أو الشتائم التى ينزلق إليها كتاب هواة أو محدودو الموهبة والثقافة، أصبحوا فجأة رؤساء تحرير وقادة رأى.. فالسر فى الصنعة والحبكة وليس فى التوجه أو الهدف من الكتابة.. كن حكوميا كما تشاء.. أو كن معارضا كما تريد وضد من تريد.. لكن يجب أن تكون فى كل الأحوال موهوبا ومثقفا حتى تقنع القارئ وتكسب ثقته وتؤثر فيه، ليحرص على أن يقرألك كل يوم، حتى وإن لم يكن متفقا مع بعض أو كل ما تكتب من أفكار.. وأذكر جملة قالها لنا الكاتب الصحفى الكبير الراحل صلاح الدين حافظ، حين كان يدرس لنا مادة المقال الصحفى فى كليه الإعلام، ويطلب منا أن نقيم كتاب الأعمدة الصحفية، حيث قال لنا عن أنيس منصور:"أنا لا أحب ما يكتبه أنيس فى "مواقف"، ولكنى لا أستطيع أبدا أن أتجاوز قراءته"!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة