خاضت مصر معركة تفاوضية مع إسرائيل، لاسترداد سيناء لا تقل فى أهميتها عن المعركة العسكرية، وكان على المفاوض المصرى اللعب على نقاط الضعف عند الإسرائيليين، فعلى سبيل المثال، وزير الدفاع وايزمان، كان يرى أن الحرب حرمته من ابنه الذى أصيب بالشلل، عندما اصطاده قناص مصرى بطلقة فى رأسه.
تفاصيل كثيرة يرويها لـ«اليوم السابع» اللواء بحرى أركان حرب، محسن حمدى، كان أحد أعضاء الوفد المصرى المفاوض فى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ورئيس اللجنة العسكرية المشرفة على الانسحاب وتسلم سيناء، كما يحكى عن اللحظات الحرجة التى مر بها المفاوض المصرى مع الجانب الإسرائيلى.
حمدى اعتبر أن الوصول لليوم الرابع والعشرين من أبريل عام 1982 جاء نتيجة انتصار أكتوبر 1973، عندما أجبرنا إسرائيل على التنازل عن شعار الجيش الذى لا يقهر، وتفاصيل أخرى فى الحوار التالى:
هل كان ضروريا بعد انتصار أكتوبر أن يعلن الرئيس السادات زيارة إسرائيل ويبادر بالسلام؟
أنا لا أتدخل فى قرار ورؤية رئيس الدولة الرئيس السادات كانت لديه رؤية تجاه خطوة السلام بعد أن درس الموضوع برمته سياسيًا وعسكريًا، فالسادات أراد أن يخرج عن الإطار الذى أرادته أمريكا والاتحاد السوفيتى للقضية بوضعها على الرف أى «لا سلم ولا حرب»، فكان قراره فى البداية اللجوء للحرب لكى يغير المعادلة على الأرض.
هل نفهم من ذلك أن قرار الحرب تم اتخاذه وفى خلفيته دخول مفاوضات السلام مباشرة؟
قطعًا، وهو ما وضح من تصرفات السادات عقب الانتصار عندما كان يقول للعسكريين شكرًا لقد حركتم الموضوع، فهو كان يسير على خطة موضوعة، تقوم على أن تهاجم القوات المسلحة لتحقق %50 من المطلوب، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية لاستكمال النسبة المتبقية من خلال المفاوضات والحل الدبلوماسى، لتحقيق هدف استرداد الأرض المصرية بالكامل. طلب عقد مؤتمر فى جنيف، ولكن إسرائيل رفضت وتلكأت فى قبول المقترح المصرى، حاول السادات باتصالات دولية إقناعهم لكنه فشل فأطلق مبادرته فى مجلس الشعب، والتى قال فيها إنه مستعد للذهاب لإسرائيل لطلب السلام، المبادرة التى حظيت بصدى عالمى، وأثبتت أن مصر ليست من دعاة الحرب، وتحرك الرئيس الأمريكى كارتر وإن كان بيجن لم يرحب فى البداية.
ما شروط التفاوض التى بدأ بها الجانب الإسرائيلى وصعبت مهمتكم؟
بدأ أول اجتماع تمهيدى فى قصر الطاهرة فى يناير عام 1978، وهو الاجتماع الذى استفدنا منه كثيرًا لأننا قرأنا خلاله أفكار الإسرائيليين، ووضح لنا أنهم لن يعترفوا بهزيمتهم إطلاقاً، وحاولوا فرض شروطهم للتفاوض، منها أن تكون سيناء منزوعة السلاح بالكامل، ووضع أجهزة رادار وإنذار على قمم الجبال وكاميرات على قناة السويس، وأمور أخرى تم رفضها من الجانب المصرى، وتعثرت المفاوضات إلى أن تدخل الرئيس كارتر ودعا السادات وبيجن لكامب ديفيد.
كيف سارت الأجواء خلال المفاوضات فى واشنطن؟
صراع وخناق استدعى تدخل الجانب الأمريكى بشكل دائم، إلى أن جاء اليوم السبعون وتم قطع المفاوضات، وعدنا إلى مصر.
هل توصلتم إلى تكوين صورة محددة عن المفاوض الإسرائيلى خلال هذه المدة؟
كان لدينا مبدأ وهو ضرورة أن نكون على دراية تامة بمن نتفاوض معهم بدراستهم دراسة وافية جدًا، بما توافر لدينا من معلومات، بالإضافة إلى استنتاجنا وتحليلنا للشخصيات التى نتفاوض معها، فمثلا عزرا وايزمان له ابن كان على الجبهة فى قناة السويس، واصطاده قناص مصرى بطلقة فى رأسه أدت إلى إصابته بشلل نصفى فى المخ، وهو حادث أثر على وايزمان جدًا، فكان من الشخصيات التى يمكن التفاهم معها، وكان منطقيا جدًا، رغم أنه من صقور حرب 1967، لكن هذا الحادث أثر فيه، أما موشى ديان فكان رجل تاريخ متخصصا فى الآثار، ومع كبر سنه وخلافه السياسى الداخلى مع بيجن كانت له أهداف خاصة به.
هل سار التفاوض بمبدأ المقايضة؟
الوفد الإسرائيلى كان يردد مقولة «أنت عايز أرضك، ماذا ستعطينى»، فكنا نرد عليهم «السلام»، فيعودون ويسألون: ما شكل هذا السلام وتفاصيله وترتيباته؟ وهى النقاط التى تكلمنا فيها بالتفصيل بعد ذلك فيما سمى بإجراءات تطبيع العلاقات، لأن إسرائيل لم تكن تحلم بسلام مع أكبر دولة عربية، وعندما تحقق هذا الحلم رقصوا فى شوارع إسرائيل، وهو ما لمسته بنفسى، بعد الحرب كنت ملحقا عسكريا لمصر فى تركيا لثلاث سنوات من عام 1974 وحتى 1977، وكان فى تركيا ملحق عسكرى إسرائيلى اسمه شلومو مالكه، ولم تكن لدى تعليمات بالتعامل معه، وفى عام 1979 بعد اتفاقية السلام جاء وايزمان وزير الدفاع الإسرائيلى لزيارة مصر وقال للرئيس السادات نفسى أزور جروبى، وهو على فكرة من مواليد السكاكينى وكان شاويشا بالجيش الإنجليزى بمطار حلوان، وعندما سار فى الشوارع وسط القاهرة لم يكن مصدقا أنه يسير فى مصر، وعندما زرت إسرائيل ضمن الوفد المفاوض كنوع من رد الزيارة صمم بيجن أن نتجول فى شوارع حيفا، وأثناء سيرنا فوجئت بشخص يعبر الشارع، وجاء ناحيتى وضمنى لصدره، وكان هذا الشخص هو شلومو مالكه، وقال لى إنه انتظر فى تركيا عامين لأسلم عليه، حتى تحققت فى حيفا.
هل سار التفاوض أسهل مما سبقه فى واشنطن؟
لا كان أصعب، لأن إسرائيل تحاول دائما أن تتهرب من استحقاقات المعاهدة، وبدأت فى خلق ذرائع متعددة، منها أنها كانت تملك قاعدتين جويتين كبيرتين جدًا داخل المنطقة «جـ» هما هوفدا و إيتان، وكان من ضمن مطالبهم الاستفزازية أنهم أرادوا الاحتفاظ بالقاعدتين حتى بعد الانسحاب، وقال بيجن للرئيس السادات إن هناك ثلاث مستوطنات إسرائيلية فى سيناء يسكنها حوالى 40 أسرة إسرائيلية، مستوطنة ياميت عند رفح ومزرعة فى العريش ومستوطنة صيد فى خليج العقبة، وطلب من السادات أن تظل كما هى، وأنه لا يمانع فى رفع العلم المصرى عليها، وأثناء شرح بيجن مطالبه فؤجئنا بأربعة مراكب صغيرة فى البحر عليها مجموعة مواطنين يهتفون، فقال بيجن للسادات «هؤلاء هم ساكنو المستوطنات، إنهم بسطاء»، فى هذه الأثناء أشعل السادات البايب ونظر للسقف وقال لبيجن «اسمع يا مناحم، 25 أبريل اللى جاى لا عسكرى ولا مدنى هيقعد فى سيناء.. المقابلة انتهت».
هل الاتفاقية تقبل إدخال تعديلات عليها؟
الاتفاقية فيها بند يقول «عند طلب أحد الأطراف يعاد النظر فى ترتيبات الأمن بموافقة الطرفين»
وهل نحتاج لمثل هذا التعديل الآن؟
هذه نظرة استراتيجية مرتبطة بالظروف الحالية التى يستطيع تقييمها القائمون عليها، لكن إذا تحدثنا عن المنطقة الحدودية عند منفذ رفح، أثبتت الأحداث الأخيرة أننا نحتاج لتعديل الاتفاقية بما يعزز التواجد العسكرى المصرى.
اللؤاء محسن حمدى المسئول عن تسلم سيناء من الإسرائيليين يحكى:
عندما قال السادات لبيجن: «25 أبريل جاى لا عسكرى ولا مدنى هيقعد فى سيناء.. المقابلة انتهت»
الخميس، 23 أبريل 2009 10:52 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة