لا أنكر حجم الحيرة التى انتابتنى وأنا أطالع نص استطلاع الرأى الذى أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، عن رأى المواطنين فى أداء الحكومة عن العام الماضى 2008. ومبعث الحيرة راجع إلى أن هذا المركز يصنف باعتباره من المراكز العلمية المحترمة، وتتسم استطلاعاته بالجدية واتباع الأسلوب العلمى، وكثيرا ما حملت آراء وتوجهات ضد الحكومة استقبلناها فى الصحافة بشكل إيجابي.
لكن حين يظر الاستطلاع أن 71% من المواطنين راضون عن أداء الحكومة، فإن الشك لا بد أن يتسرب لكل من يقرأ هذا العنوان الصادم، حيث إننا نعتقد بناء على آراء شخصية ومشاهدات عينية، وشهادات سماعية، واحتجاجات شعبية، أن حكومة الدكتور نظيف وصلت إلى أدنى مستويات الشعبية أو هكذا ظننا.
والتحليل الدقيق لأحداث العام الماضى يشير بلا شك إلى وجود الكثير من الأمور التى أثرت على مصداقية الحكومة، فخلال هذا العام اندلعت أزمة رغيف الخبز، واضطر الرئيس للتدخل شخصيا وإصدار تعليمات للقوات المسلحة والشرطة لحل الأزمة.. وهو عام الاحتجاجات المتتالية لزيادة الأجور والبدلات والمشاكل مع الضرائب من قطاعات مختلفة، وهو العام الذى شهد فى بدايته اقتحام الفلسطينيين لمعبر غزة، وفى نهايته بداية الحرب الإسرائيلية الغاشمة على القطاع، وهما أزمتان كانا الأخطر على النظام الحاكم، منذ بدء عملية السلام مع إسرائيل وقطع العلاقات العربية مع مصر.
بعينى وبعقلى أشاهد وأستنتج مظاهر عدم شعبية الحكومة.. لكن بعقلى أيضا لابد أن أصدق استطلاع رأى المواطنين الصادر من مركز محترم طالما أشدنا باستطلاعاته ودراساته التى طالما أحرجت الحكومة.. فماذا أفعل ومن أصدق؟
الحقيقة أن تاريخ استطلاعات الرأى فى مصر لا يبشر بخير، وقد دأبت عدة صحف مصرية وعربية على إجراء استطلاعات نهاية العام لاختيار أهم الشخصيات المؤثرة، وغالبا ما كانت نتائج الاستطلاع تظهر دون أن يؤخذ رأى مواطن واحد، ويتم توزيع ألقاب الأفضل والأحسن والأجدر إلى غيرها من صيغة أفعل التفضيل على الزعماء والسياسيين ورجال الأعمال بحثا عن النفوذ والمصالح والإعلانات وتوزيع الصحف، وحتى الدعوات المجانية لزيارة بعض البلدان العربية والتمرغ فى الحرير والعودة بهدايا من نوعية الساعات السويسرية المصنوعة من الذهب الخالص.
لكن هذه النوعية من الاستطلاعات بدأت تختفى، وربما حل محلها نوعية جديدة من الاستطلاعات يمكن تسميتها بالاستطلاعات الأمنية، وهى مثل الشائعات التى تصدرها جهة أمنية ما، فى زمن ما، لإحداث تغيير فى الرأى العام، أو حتى قياس اتجاهاته نحو موضوع ما وهو أمر متبع ومعروف فى كافة الدول، خاصة التى تفتقد آليات حقيقية وعلمية لقياس توجهات الرأى العام.
ومع كل الاحترام لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار يبدو لى أن استطلاع الأداء الحكومى هو من نوعية الاستطلاعات الأمنية التى تستهدف توجيه الرأى العام، وليس معرفة اتجاهاته الحقيقية، وقد تكون شعبية حكومة نظيف فى أدنى مستوياتها، وهو الأمر الذى يستدعى إشاعة العكس بين الناس على اعتبار أن تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصرى، وتراجع نسب النمو، وزيادة أعداد المتعطلين عن العمل، كلها أمور قد تؤدى إلى توترات اجتماعية تهدد السلم الداخلى، وهو أمر يحتاج إلى مناخ مغاير بين الناس، وربما تنتشر نتائج الاستطلاع بين الناس بنفس منطق الشائعات.
لا يوجد لدى تفسير آخر، وعقلى يرفض تصديق أن 71% من الناس راضون عن أداء الحكومة.. فكل من أعرفهم تقريبا غير راضين، ولا أعتقد أننى وكل من أعرفهم هم من بين نسبة 11% التى وصفت أداء الحكومة بالسيئ والسيئ جدا. لن أشكك فى نتائج الاستطلاع، لكننى أطلب من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أية أمارة على النسبة الراضية عن الحكومة.. وياحبذا لو قالوا لنا أسماءهم حتى نعرف أسباب سعادتهم .. وتعاستنا.. بجد مين دول؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة