محمد حمدى

حلم أحلام

الإثنين، 20 أبريل 2009 12:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تقترب أحلام من الخمسين من العمر، تزوجت منذ 24 عاماً من موظف حكومى محترم، شاركته الحلوة والمر، أنجبت ستة أبناء، أكبرهم تزوجت العام الماضى، وأصغرهم فى الصف الثانى الابتدائى، وبينهم ولد حصل على دبلوم تجارة منذ عدة أعوام ولا يجد عملاً، وثلاثة أطفال آخرين فى مراحل التعليم المختلفة، وهذا هو الحلو الوحيد فى حياة أحلام.

أما المر فحدث ولا حرج، الزوج لم يعد قادراً على الإنفاق على الأسرة، فاضطرت أحلام للعمل فى تنظيف البيوت، كل يوم .. تبدأ يومها من السادسة صباحا، توصل أبناءها لمدارسهم وتنطلق للعمل فى البيوت، وتعود بعد الثامنة مساء إلى بيتها للنوم فقط، سألتها أمس أين ستذهبين فى شم النسيم، قالت أحلام: للعمل مثل أى يوم.

طوال 24 عاما لم تخرج أحلام من بيتها سوى للعمل أو لزيارة أمها، وحين يضيق بها الحال وتشتعر بالاختناق، تذهب إلى السيدة نفيسة بعد يوم عمل شاق وتبكى فى حضرتها، وتغسل بعض همومها، حلمها الوحيد أن تذهب مرة إلى الحسين وتتناول طعام السحور فى رمضان، يقول لها زوجها كل عام "السنة الجاية إن شاء الله هنروح".

الإحصاءات الرسمية تقول إن من بين كل خمس سيدات متزوجات، توجد امرأة تعول أسرتها، أى أن 20% من نساء مصر كلهم أحلام، إما لغياب الرجل بالموت أو عدم العثور على عمل، أو حتى لأن العمل الذى يقتات منه لا يكفى الأسرة، أو حتى غير دائم.

أحلام بألف رجل، مثل كل أحلام أخرى، يعرفن أن الحياة مسئولية ومشاركة، ويرفضن الجلوس فى البيت وترك الرجل وحده يتحمل مسئولية لا يستطيعها، لكن الغريب أن لديها قناعة ولا تنظر لغيرها، ولا تحمل الحكومة مسئولية رعايتها ورعاية أولادها، رغم أن هذه أولى مسئوليات أى حكومة وفقاً للدستور والقانون.

أحلام أيضاً ليست وحدها، هناك ثلاثة ملايين أسرة مثل أسرة أحلام من الأشد فقراً، أى الذين لا يجدون طعاماً يقتاتون به ويكملون عشاءهم نوماً، وتذكر إحصاءات وزارة التضامن، أن من بين ثلاثة ملايين أسرة تحتاج معاش التضامن الاجتماعى الذى لا يتعدى 120 جنيهاً فى الشهر، لم تمتد مظلة هذا المعاش سوى لمليون و200 ألف أسرة، بينما هناك مليون و800 ألف أسرة بلا أى دخل حقيقى.

لا تستطيع كل هذه الأسر حتى الخروج إلى كورنيش النيل للاحتفال بشم النسيم، بينما يذهب آخرون لقضاء عطلة استمرت أربعة أيام فى العين السخنة والغردقة والساحل الشمالى، حيث تبلغ تكلفة الفرد يومياً فى ستيلا دى مارى العين السخنة ألف جنيه، ومن لم يستطع الحجز قبلها بثلاثة أسابيع على الأقل لم يجد مكاناً.

هذه هى مصر أحلام التى تحلم بمجرد سحور مرة واحدة فى حياتها فى الحسين، وآخرون ينتظرون امتداد مظلة الضمان الاجتماعى إليهم، والكثير جداً ممن قضوا عدة أيام فى البحث عن أفضل مكان لقضاء إجازة أعياد القيامة وشم النسيم، وتعددت الخيارات ما بين السفر خارج مصر، أو الاكتفاء بالعين السخنة!

وفى كل يوم تنضم المئات والآلاف إلى قائمة أحلام، وتتسع دائرة الفقر فى البلد، فى نفس الوقت الذى تتضخم وتتكدس فيه الثروات فى أيدى آخرين من الأغنياء بالصدفة والواسطة والسرقة والقرب من السلطة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة