بعد فترة طويت واستمرت سنوات ثلاث.. أو ما يزيد قليلاً.. يعود مسرح الهناجر بإدارة الدكتورة هدى وصفى لمتابعة نشاطه الكبير.. فيفتح أبوابه طيلة ثلاثة أشهر كاملة لفرق المسرح المستقل.. التى تعمل حسب مبدأ بيتر بروك الشهير «مسرح فقير لأفكار غنية» والتى تجهتد بحرية مطلقة لتقديم تجاربها المسرحية بالقوة والإبداع التى عهدناها دائماً بالشباب.
عشر فرق.. عشرة مخرجين وعشرة مؤلفين ونصوص أجنبية يتقاسمون الحلبة.. صارخين بأعلى أصواتهم.. أن المسرح فى مصر مازال حياً ولم يمت بعد. وإذا كانت الفرق الرسمية قد أصابها الإهمال واللهاث وراء نجاح تجارب زائفة مستعينة بأسماء نجوم لمعوا فى السينما أو التليفزيون.. فإن فرق الشباب هذه تدير ظهرها كاملاً لكل هذه المقبلات التجارية الزائفة، وتعيد قيمة «النص» الذى كان دائماً وراء نجاح أى عمل مسرحى حقيقى.
المسرح فى عرفنا كان دائماً وسيظل دائماً.. متحوراً حول الكلمة، يدور حولها يعشقها «يرفعها ويخفضها.. يحيطها بسحره وتهاويمه» وينقل هذا السحر كاملاً.. غير منقوص إلى جمهور يتطلع ويصبو دائماً إلى سحر الكلمة تؤديها أفواه معبرة.. وتحركها أيدٍ حريصة على وضع أكاليل الغار حول المعنى والهدف «أكثر» من جعل «الكلمة» مطية يركبها الممثل ليؤكد نجوميته.
البرنامج الذى أعلن عنه مسرح الهناجر برنامج حافل يقدم لنا مواهب جديدة اختبرناها سابقاً وأعجبنا بها، كرشا عبدالمنعم ونورا أمين وسنية فؤاد ومخرجين مازال دم الجرأة والتحدى يجرى فى عروقهم كعزة الحسينى وعبير على وهانى المنشاوى وحمادة شوشة، وإذا كان حمادة شوشة، وهو فنان متعدد المواهب أثبت قدرته وكفاءته فى أكثر من عمل قام به كممثل أو مخرج.. قد اختار إحياء نص قديم لنهاد جاد.. أثار الكثير من اللغط حيث نشر قبل عشرين عاماً.. وهو نص «محطة الأتوبيس».
العرض الأول الذى قدمه مسرح الشباب على خشبة الهناجر كان بعنوان «عفواً لقد نفذ رصيدكم» أخرجه محمد عبدالخالق ولعبته مجموعة من شباب الممثلين يقطرون حماسة وشجاعة.
لا يكون هذا العمل الأول، هو ما ننتظره من مسرح الشباب.. لأن آمالنا فيه وثقتنا التى وضعناها عليه أكثر بكثير من ذلك، ولكن لنقل إن «عفواً قد نفذ رصيدكم» هو فاتح مقبول للشهية وعلينا أن ننظر متلهفين للأطباق الأخرى التى نأمل أن تسد جوعنا.