رغم كل القوانين التى تنص على عدم احتجاز الأحداث مع البالغين، قضى محمد أحد أطفال الشوارع 17 شهراً داخل سجن القاطة ليستخلص من تجربته جملة واحدة «مش حيصعب عليا حد، عشان أنا مصعبتش على حد».
بداية القصة تعود إلى إحدى الليالى الشتوية، حين كان «محمد» يقف على عربة الكبدة التى اعتاد أن يعمل عليها لفترات متأخرة من الليل، ليدبر نفقات حياته، فرغم أنه لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، إلا أنه يعيش فى الشارع بعد أن ترك منزل والديه، ولم يعد أحد من أخوته المتزوجين يسأل عنه.
فوجئ بدورية الشرطة تسحبه وهم ينهالون عليه ضربا ويمطرونه بأفظع السباب، دون أن يعرف السبب وراء كل تلك الإهانات.
وفى إحدى غرف قسم الشرطة، أجبره الضابط على التوقيع على المحضر دون أن يقرأ منه حرفا، أو يعرف حتى مضمون الاتهامات الموجهة إليه.
ادعى الضابط أن ذلك الطفل سرق خمسة جنيهات وجرى لمسافة 150 مترا وهو ما نفاه محمد، خاصة أن رجله بها شريحة تحتوى على 16 مسمارا بالإضافة إلى مسمار نخاعى بطول الرجل وشريحة أخرى فى المفصل وبالتالى لا يستطيع الجرى بطول هذه المسافة: «الضابط كان عاوز يشغلنى مرشد، وكان بيقولى أجيبله أى قضية من الشارع، أنا بمشى بقول يا حيطة دارينى، ومش قد إنى أبلغ على حد، عشان ممكن ينتقم منى». كما اتهمه الضابط أنه رفع موسى فى ميدان عام «الناس دى عاوزة مننا إيه؟ يا نشتغل مرشدين يا يحبسونا؟».
«تهمتى هى سرقة خمسة جنيهات بالإكراه»، ذلك ما عرفه بعد أيام طويلة من الاحتجاز امتدت لـ 45 يوما، وقع على ورقة إحالة وهو لا يدرك إلى أين سيكون مصيره.
عنبر (ج) تحقيق فى سجن «القاطة»، كان المكان الذى انتقل إليه ليبقى فيه أكثر من 17 شهرا تأجلت خلالها القضية أكثر من 5 مرات لعدم وجود محام، والسبب ببساطة أن المحامين لا يهتمون كثيرا بقضايا الأحداث، لأنهم لا يحصلون على بدل من ورائها.
أكثر من 17 سجينا فى عنبر لا تتجاوز مساحته 9 أمتار، يتراصون على أجنابهم كعلبة السردين، فالمساحة المخصصة لكل شخص لا تتعدى الشبر ولو خطر على بال السجين أن يتزحزح قليلا عن المساحة المخصصة له، يعرض نفسه لأذى المساجين الذين يكبرونه بسنوات طويلة.
فى السجن العنف هو سيد الموقف والبقاء للأقوى: «ممكن أى حد يتلككلى عشان ياخد فرشتى أو شنطتى أو حتى هدومى، فأنا كنت بقعد زى الجماد، عينى بتشوف الظلم فى كل لحظة لكن مش ممكن اتكلم لاتعاقب زيهم».
كل سجين له مهنته فى السجن التى يتكسب منها، خاصة إذا كان فقيرا ولا تأتيه زيارات من أهله، كان محمد يغسل ملابس المساجين مقابل الحصول على السجائر التى تمكنه من شراء أى شىء داخل السجن، حيث كان يحصل على 3 علب سجائر يوميا، مقابل 60 قطعة ملابس يغسلها من الثامنة صباحا وحتى بعد العصر.
غرفة «الدواعى» أو الحبس الانفرادى للتأديب لا تتعدى مساحتها 2 متر، الأرضية من الخرسانة والأسمنت الذى يجعلها شديدة البرودة وخاصة فى فصل الشتاء، ولهذا يتجنبها كثير من المساجين، إلا أن محمد لم يستطع أن يتجنبها بعد أن تشاجر معه أحد المساجين ليبقى حبيسا فيها بدون ملابس تقريبا إلا من شورت قصير ولمدة 16 يوما.. «لو كنت أقدر أحفر الأسمنت وأدفن نفسى فيه كنت دفنت نفسى من شدة البرد».
لا تفتح الزنزانة أبداً ويكتفى السجان بمنحه رغيف عيش وقطعة صغيرة من الجبن من فتحة الباب، وكثيراً ما كان يمتنع عن إدخال الطعام له ليومين كاملين.. حتى أنه يئس أن يخرج حيا من ذلك المكان، خاصة بعد أن شاهد جثة أحد الشباب الذى لم يتحمل برودة الجو فى غرفة الدواعى، ومات بعد أن جددوا له شهرا آخر فى تلك الغرفة.
اكتشفت جمعية نور الحياة وجود محمد فى سجن القاطة، وأرسلت محامية للدفاع عنه، كما وجهت عددا من الرسائل إلى وزارة الداخلية ووزارة التضامن الاجتماعى والمجلس القومى للطفولة والأمومة.
أيام قليلة حصل بعدها محمد على حكم بالبراءة، إلا أن خروجه من السجن لم يكن نهاية رحلة المعاناة، ففى قسم الجيزة احتجز مع أكثر من 70 شخصا فى مساحة لا تتجاوز 12 مترا مربعا.
أسبوع كامل فى القسم وسط مجموعة من المحتجزين من مختلف الأعمار دون أن يخصص مكان للأحداث «حجرة الأحداث مجرد اسم».
بعد 17 شهرا فى سجن القاطة، تعلم خلالها الكثير، وتعرض لظلم أكثر «اللى بيتحبس بيطلع أسوأ مما كان، لأنه شاف ظلم وافترى، ومش ممكن يرحم حد لأنه ملقاش حد يرحمه».
اختطفه ضابط شرطة ولفق له التهمة عندما رفض العمل مرشداً له
محمد دخل السجن بتهمة سرقة 5 جنيهات.. غسل هدوم المساجين ونام عريانا فى أوضة التأديب.. وبعد 17 شهراً من العذاب خد براءة.. كفارة يا حمادة
الخميس، 02 أبريل 2009 10:13 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة