د. محمد منصور

محاكمة البشير.. والرقص على المنصة!!

الخميس، 02 أبريل 2009 10:46 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقف زعماء العالم العربى هذه الأيام على ساق واحدة، يتدبرون أمرهم فيما بينهم ويناقشون المذكرة المهينة التى صدرت بحق الرئيس السودانى عمر البشير، والخاصة باعتقاله أو دعوته للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ووجه الغرابة فى الأمر أنها السابقة الأولى التى تصدر فيها مذكرة بهذا الشكل فى حق رئيس دولة مايزال يتربع على سدة الحكم ويمارس سلطاته كاملة، ولأن من أهم أدبياتنا فى عالمنا العربى أننا ننصر أخانا ظالماً أو مظلوماً، لا بالمعنى الذى أشار إليه الحديث النبوى الشريف وذلك برده عن الظلم إن كان ظالماً، وإنما بنعرة الشعور القبلى الزائد بالكرامة إن تراصت الصفوف بالحق أو بالباطل خلف واحد من قادة العرب، أو الإحساس بالمهانة إن تم سوقه من وسطنا ونحن وقوف نتأمل وننظر مايفعل بنا.

والأمر فعلاً لا يخلو من إهانة يحسها كل عربى حين يصبح رئيس دولة عربية مهدداً بهذا الشكل السافر، والذى لا ينطوى حتى على أبسط قواعد المجاملة للحكام العرب أو للشعوب العربية التى تصلها الرسالة المهينة بشكل أو بآخر، بل إن المذكرة ومضمونها يستفزان التحدى للشخصية العربية وهو ماعكسته تصرفات البشير نفسه حين بلغه أمر صدور مذكرة توقيفه فراح- من باب تحدى الإرادة الدولية- يرقص بالعصا فى اجتماعات جماهيرية تارة، ويسب ويلعن لويس أوكامبو المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، بل وفى لهجة غاضبة تبدو عنترية إلى حد كبير أعلن أن كل أعضاء المحكمة الدولية من رئيسها إلى حاجبها "تحت حذائى"!! .. هكذا قال بالنص الصريح بما يعكس حالة لاتنكر من التوتر العصبى والغضب المدمر فلا الرقص بالعصا أمام الجماهير الغفيرة دليل سعادة وهناء، ولا ضرب الأرض بالقدم وسب العالم ومحكمته وممثليه دليل انتصار وسؤدد.. فللأمر جوانب كثيرة خافية ينبغى مناقشتها بروية وحكمة.

ولأن الروية والحكمة ليستا من سمات الشخصية العربية فقد راحت المظاهرات الغاضبة تجوب شوارع السودان لتعلن تأييدها وتمسكها برفض القرار الدولى المهين، وراحت وسائل الإعلام – وقد وجدت على مايبدو مادة ثرية لبرامجها – تدبج المقالات وتعقد المناظرات ليل نهار لمناقشة الأمر وتقليبه على كافة الوجوه.. فمن قائل إن الغرب يطمع فى ثروات السودان وبالذات مايروى عن ثروات طائلة تحتضنها أراضى إقليم دارفور، إلى قائل بوجود مؤامرة صهيونية تشترك فيها إسرائيل مباشرة بهدف تطويق العالم العربى من جهته الجنوبية.

وكما هى عادة المتناظرين العرب فى كل أمر، انقسم المتحاورون إلى مؤيد ومعارض واختلطت الأوراق اختلاطاً عجيباً ومعيباً حتى لم نعد نفهم على وجه الدقة.. هل عمر البشير برئ مما نسب إليه فعلاً، أم أن الأمر لايعدو انتصار الأخ لأخيه ظالماً ومظلوماً حتى لو شرب من دماء بقية أخوته وعذبهم وشردهم ونكل بهم وقعد لهم كل مرصد؟!

لابد أن يدرس الأمر دون انفعال، ومن منطلق أننا أعضاء فى المجتمع الدولى، وأنه لا مفر من التعامل معه وبلغته حتى لوبدا لنا أننا موضع سخرية واستهزاء أو استصغار لشأننا فالأمر جد خطير، ولا تحسمه لغة السب والشتائم والرقص على المنصة ولازيارات التحدى التى يقوم بها البشير شرقاً وغرباً لإظهار أنه لايأبه لما يدبر لشعبنا العربى فى السودان والذى ندعو الله أن يحفظه ويجنبه كل سوء.

لابد أن نعترف أولاً أنه لاالبشير ولاغير البشير قد جاء إلى سدة الحكم بإرادة شعبية خالصة حتى يكون من حقه أن تخرج الشعوب بالملايين لتدافع عنه وعن زعامته، البشير جاء بانقلاب عسكرى على الشرعية القائمة، وهو مستمر فى الحكم بقوة العسكر وليس بالإحتكام لصناديق الانتخاب، ولابد من الاعتراف بأن هناك تجاوزات ترقى لحد الجرائم قد قام بها رجاله ضد أهل دارفور، مما أمكن توثيقه وتعريته ومن ثم توريطه فى محاكمة جنائية دولية وبرعاية مجلس الأمن ولانظن أن صدور مذكرة الاعتقال بحقه هى الحلقة الأخيرة فى سلسلة حلقاتها.

قد يحلو للبعض منا أن يندد بمذكرة الاعتقال وبمن أصدروها.. قد نكيل الاتهامات يميناً ويساراً عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين وغض الطرف عما ترتكبه إسرائيل من جرائم وانتهاكات بحيث تبدو دولة فوق الحساب ولاتخضع للقانون الدولى كغيرها من الدول، وكل ذلك فى مجمله صحيح ولا يفكر أحد فى معارضته أو الاعتراض عليه، ولكنه ليس هو مدار الحوار ولا لب القضية التى نحن بصددها ولا مصدر قلقنا ومخاوفنا فى الفترة القادمة.. إنما نعنيه بالدرجة الأولى أن البشير قد تم بالفعل ضبطه متلبساً بالتنكيل بقسم مهم من شعبه، وقد أمكن توثيق ممارساته التى دفعت به إلى قفص الاتهام أمام المحكمة الدولية سواء رضينا عن الإجراءات التى تمت أو لم نرض عنها.

ما يهمنا حالياً ليس البشير كحاكم عربى كغيره من بقية حكام العرب جاءوا على أسنة الحراب، واستمروا ويستمرون رغم أنوف شعوبهم، وهم قادرون فى كل وقت على التنكيل بمعارضيهم بل والزج بهم فى المعتقلات، إن خالفوهم الرأى أو قتلهم أو ذبحهم إذا اقتضى الأمر، فالمسألة لم تعد شأناً داخلياً يمكن غض الطرف عنه وإنما أصبحت مواجهة ساخنة مع المجتمع الدولى وبمباركة مجلس الأمن، مايشغلنا هو إلى أين تقود سياسة المواجهة والتلويح بالعصا تارة وبالحذاء تارة مصير شعبنا العربى فى السودان؟
وما السبيل للخروج من المأزق بأقل الخسائر الممكنة حتى يمكن الحفاظ على وحدة أراضى السودان وسلامتها؟

فى تصورى أن الجهود المبذولة حالياً لتأجيل الإجراءات لمدة عام هى خطوة هامة يجب الوقوف خلفها ودعمها، على أن تستثمر هذه الفترة فى ترتيب البيت السودانى من الداخل، بحيث يتخلى الرئيس البشير فى نهايتها عن الحكم، ويكون جاهزاً للمثول أمام المحكمة، ومن الممكن فى هذه الحالة تبنى مسئولية الدفاع عنه كقضية عربية يمكن الإلتفاف حولها.. أما سياسة التسفيه والتخبيط والتهوين من شأن المجتمع الدولى وممثليه فلن يقود ذلك إلا إلى حصار خانق يعقبه تدخل سافر، ولن يدفع فاتورة التعنت وقتها سوى أخوتنا فى السودان.
إن سلامة البشير ليست بديلاً عن سلامة السودان أرضاً وشعباً وسماءً..
فهل نعمل العقل لبعض الوقت، ونكف عن سياسة التلويح للمجتمع الدولى بالعصا والحذاء، ونعامله بأدواته طالما ارتضينا أن نكون جزءاً منه؟..
هذا هو السؤال الصعب الذى ولاشك ستجيب عنه الأيام.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة