كما أن لكل زوجين كتالوجاً خاصاً بهما وحدهما, كذلك الحال عند انفراط عقد الزوجية, فلكل قصة ما يميزها, ولكل قصة فصولاً وكواليساً تختلف عن غيرها. نتحدث كثيراً عن المرأة وعن الرجل, نجلد أحدهما ونتغاضى عن الآخر جرياً مع العرف, ندين أحدهما ونغفر للآخر إتباعاً لهوى ما.. وتبقى فى النهاية "آثار" أسرة, ومفرداتها "الأطفال" هذا المنتج الذى قّدر له هذا المصير.
"الرعاية المشتركة" أو "الاستضافة" اقتراح وجيه, لكنه مثالى فى ظل وجود احتقانات نفسية تضمن أن وجود الطفل مع أمه يعنى أن يسمع كلمات من عينة "متسمعش كلام أبوك", وتواجده فى فترة الاستضافة مع أبيه تعنى أن يسمع بالطبع "متسمعش كلام أمك", من يضمن عدم تمزق الطفل حينها ورفضه كل شئ, كلام أمه وكلام أبيه, "عيشة" أمه, و"عيشة" أبيه؟! .
ما دار فى المركز المصرى لحقوق المرأة، كان أمراً يدعو للأسى, والضحك, وكل المشاعر المتناقضة فى آن. فاللقاء الذى دعا إليه متخصصون وحالات حاضنة وغير حاضنة حولت القاعة إلى ساحة للجدل بعد أن أعطيت لهم الكلمة, ووصل الأمر بينهم إلى حد التراشق والتلاسن وتبادل الاتهامات. فكل الأطراف الحاضنة تعتبر نفسها ملائكة، بينما الأطراف الأخرى هم الشياطين, والعكس تماما عندما تتحدث مع طرف غير حاضن يكون الملاك حاضراً والطرف الآخر هو الشيطان!
ولو تخيلت نفسك "طفلاً" لهؤلاء فى تلك القاعة ورفضت كليهما، فلك الحق كل الحق, لا لشئ سوى أنك ستشعر بأنك متورط بالفعل بين من كانوا أحباباً وصاروا ألد الأعداء، وأنت بينهما تحبهما معاً لأنك "رابط" تحولت فجأة إلى "ممتلك" متنازع عليه, لأجل ماذا.. لا تدرى, ستشك حينها وتتساءل.. هل يتنازعونك لأنهم يحبونك أم يحبون الانتصار لأنفسهم بك. هناك إحصائية مهمة فى المحاكم المصرية تشير إلى أن 90% من الحالات التى تعرض عليها بسبب تعنت الأب ضد الأم, فى النفقة, ومسكن الصغار, ونفقة المتعة.. إلخ
ففى وجود الأطفال تظل قضايا الحقوق عالقة، ما لم يتم التسريح بإحسان, وهذا منطقى. وعندما يكون التسريح بإحسان – والإحسان يفوق العدل - يتبقى لدى طرفى العلاقة الرئيسيين بقايا جرح "العشرة" السابقة الذى ما يلبث بمرور الأيام، وأحياناً السنوات أن يلتئم ويطيب, ويمكن حينها "رعاية" الصغار الذين سيظلون على الرغم من ذلك مكلومين.
وبغير ذلك – أى عدم التسريح بإحسان - عندها فقط يلقى الأطفال فى مفرمة "التعنت, والظلم, وشح الأنفس", تتغير الحياة ليس فقط بهم وإنما أيضاً "لهم". جمعتنى والدكتور محمد المهدى مستشار الطب النفسى جلسة ممتعة بأحد الصالونات الثقافية, ولأن حديث الساعة هو مسألة الرؤية والاستضافة كما ذكرنا فى المقال السابق, فقد كانت فرصة لا تعوض للحديث عن هذا الشأن معه.
تحدث عن أشياء كثيرة تخص القضية بدءاً من مراحل التمهيد للصغار بما هو قادم, كل حسب مرحلته العمرية, نهاية إلى أهمية أن يتم الطلاق بشكل متحضر, يبقى على الاحترام, ويعطى الحقوق, ويصون نفوس الصغار, وأشار إلى نقاط تخص الأبناء, وهى التى يدور بسببها الصراع فى المحاكم والقوانين ومنها:
- استبقاء علاقة الأطفال بوالديهم قدر الإمكان، وعلى فترات قريبة، وذلك لضمان استكمال وتوازن البناء النفسى والتربوى للأطفال.
- عدم لجوء أحد الطرفين لتشويه الطرف الآخر أمام الأطفال، وضرورة إبقاء الأطفال فى مسكنهم الذى اعتادوا عليه، وفى نفس مدارسهم، وفى نفس ناديهم، وأن تستمر علاقاتهم بأصدقائهم وبأفراد العائلتين, والمحافظة على المستوى المادى الذى عاشه الأطفال مع إتاحة الفرصة لوجود الأب والأم فى المناسبات المختلفة التى تهم الأبناء؛ تفاديا لشعور الأطفال بالضياع أو الفقد أو النقص.
وأخيراً أعجبنى قوله إن الطلاق هو التورط فى الصراع إلى درجة فقدان الرؤية والبصيرة.. مما يجعلك فى النهاية تتساءل عما إذا كانت هناك جدوى من رؤية أو استضافة أو غيره فى ظل فساد "الرؤية" وفقدانها على أية حال؟! ستتساءل أيضاً عما إذا كانت الرؤية أو الاستضافة حلاً فى ظل شيوع منهج الوصاية لا الرعاية فى التربية فى الأسر العادية فما بالك بغيرها؟!
ستتشك حينها, ثم توقن أن النزاع على "الوصاية" وليس "الرعاية"!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة