◄المتعثرون أعضاء بالحزب الحاكم وديون بعضهم تجاوزت المليار جنيه
يمكن حماية الاقتصاد بالتعتيم على مشاكله؟. وهل يمكن علاج مريض بإخفاء المرض عنه؟.. السؤال مطروح بمناسبة قصة متداولة داخل مساحة ضيقة فى الحكومة والحزب الحاكم، وجدل خلاصته أن هناك أربعين رجل أعمال مرتبطين بالحزب الوطنى قياديا وسياسيا، يواجهون نوعا من التعثر الاقتصادى، يعجزهم عن سداد أموال البنوك ويتكتم الحزب أنباء تعثرهم والحجة حماية الاقتصاد الوطنى، خاصة أن المتعثرين لهم أنشطة اقتصادية واسعة، يمكن أن يتسبب إعلان تعثرهم فى انهيارها، بما يهدد الاقتصاد.
حجة التستر على المتعثرين الكبار تتعارض مع حقوق مودعى البنوك فى معرفة مصير أموالهم، حتى لو كانت قوانين سرية الحسابات تشترط صدور حكم قضائى لكشف مواقف العملاء.
خاصة أن تجارب العالم الاقتصادية تؤكد أن الشفافية هى التى تحمى الاقتصاد وليس العكس. فقد كان التستر سببا فى الأزمة العالمية، كما كان التعتيم على ديون كبار المتعثرين سببا فى كارثة التعثر التى تفجرت فى بنك القاهرة ومازالت البنوك تعانى من تأثيراتها.
وهل يمكن أن يحمى التستر على ديون رجال الأعمال الاقتصاد العام ومؤشرات البورصة، بينما قوانين البورصة نفسها تحرم التلاعب فى البيانات والموقف المالى للشركات. وهو ما قد يجعل مزاعم حماية الاقتصاد ستارا لحماية كراسى وزارية أو مناصب حزبية، بعيدا عن مصلحة الاقتصاد. الذى يقوم على الشفافية كقاعدة أساسية.
المعادلة التى وضعت فيها الدولة نفسها مع رجال الأعمال صعبة للغاية فإما الاستمرار فى العطاء دون حساب وإما التوقف ولتكن النتيجة ما تكون سواء بالهروب وما يصحبه من انهيار فى أسواق المال أو حتى إقالة الحكومة نفسها التى فشلت فى حل أزمات رجال الأعمال.
قائمة قروض رجال الأعمال فى مصر طويلة والأسماء كبيرة وحجم الأموال التى تم سحبها من البنوك يهدد بانهيار أى اقتصاد مهما كان حجمه أو قوته.
«اليوم السابع» حصلت على قائمة لأكثر من أربعين رجل أعمال مصريين حجم ديونهم يهدد البنوك والاقتصاد، خاصة أن أعمالهم مهددة بالتوقف المفاجئ، وأنشطتهم تتداخل فى جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.
على رأس هذه القائمة تأتى شركة «ط.م» صاحبة النشاط العقارى المعروف والمدن السكنية الفارهة والذى بلغت ديونه 3.5 مليار جنيه، و«ا.ك» عضو الحزب الوطنى البارز والذى وصلت ديونه لأكثر من 760 مليون جنيه تم اقتراضها من أربعة بنوك مختلفة وعلى الرغم من تحسن وضعه المالى إلا أنه يرفض السداد لأنه يعلم أن الدولة تحميه وأن السياسة الحالية صنعت خصيصا من أجله هو ومن معه.. كما تضم القائمة «م.ا» صاحب أسطول النقل البحرى و«ح.ر» عضو الحزب الحاكم و«ف.ا» صاحب الاستثمارات العقارية والذى بلغت ديونه 82 مليون جنيه و«ع.س» صاحب كبرى شركات السيارات فى مصر والذى تجاوزت ديونه حاجز الـ270 مليون جنيه و«و.ت» الذى بلغت ديونه 250 مليونا وتكتمل القائمة المتعثرة للبنك المركزى بأسماء كبيرة لها علاقة بكبرى الاستثمارات التى تجرى على أرض مصر.
التعتيم المبالغ فيه من الحكومة على أسماء رجال الأعمال المتعثرين وحجم تعثرهم يبرره مسئولون حكوميون بأن الإعلان عن تعثرهم فيه إضرار بالاقتصاد المصرى يمكن أن يقلل من حجم الاستثمارات الخارجية ويؤثر على حركة التصدير والاستيراد مع الدول ذات الاقتصاديات المستقرة خاصة أن العالم يمر بأزمة اقتصادية طاحنة.
هذا التعتيم يفسره الدكتور إسماعيل شلبى مستشار وزير الاقتصاد الأسبق بخوف الحكومة على رجال الأعمال بحجة حماية قوى الاقتصاد المصرى رغم أن معظم هؤلاء حصلوا على أموال طائلة من البنوك الوطنية ولم يستثمروها فى مشروعات قومية تعود بالنفع على اقتصاد مصر، كما أن هذا التعتيم يعكس عدم خوف الحكومة على عملاء تلك الفئة من رجال الأعمال رغم أن حماية العملاء تعد واجبا على الدولة قبل أن يقترض هؤلاء المتعثرون مبالغ ضخمة من البنوك ثم يخرجونها خارج البلاد.
وإذا علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت عن إفلاس رابع أكبر بنوكها فإن ذلك يعنى كما يقول شلبى أن الإعلان عن تعثر عدد من رجال الأعمال من ذوى الأوزان الثقيلة لن يؤثر على سمعة الاقتصاد المصرى.. والشاهد هنا أن مشروع «مدينتى» لم يتأثر حجم التعامل به بقضية هشام طلعت مصطفى صاحب المشروع المتورط فى مقتل الفنانة سوزان تميم.
التعتيم يعيد تذكيرنا بقضية بنك القاهرة والسور الحديدى الذى فرضته أجهزة الدولة على رجال الأعمال المصريين المتعثرين الكبار، وظلت الحكومة تنكر أو تتستر، حتى تفاقمت الديون، وتضاعفت أعراض التعثر ولم يعد ممكنا إخفاء الأمر، وتم كشف التعثر بعد هروب رجال الأعمال بأموال البنك التى هى أموال المودعين، وهو ما أكد أن التستر لا يحمى الاقتصاد، بل يضره ويهدده.
ويتفق دكتور إيهاب الدسوقى أستاذ الاقتصاد وخبير البورصة مع هذا التصور ومع رأى الدكتور شلبى فى أن السياسة التى تتبعها الدولة فى التعتيم على المقرضين والمتعثرين ماليا تعود بالسلب على أداء البورصة ونشاطها لأن الوضوح والشفافية فيما يتعلق بالجانب المعلوماتى داخل هيئة سوق المال المصرية وخاصة لرجال الأعمال الكبار هام جدا لانتعاش البورصة وزيادة الإقبال عليها.
وتساءل دكتور إيهاب لماذا تقتصر سرية الحسابات على الودائع فقط دون القروض خاصة أن البنك المركزى لديه قائمة كاملة بأسماء المقترضين يمكن كشفها فى أى وقت.واختتم حديثه بأن الهروب أو التعثر فى سداد القروض من قبل رجال الأعمال المصريين أصبح أمرا طبيعيا وهو ما يجعل الاقتصاد المصرى يتحول من سيئ إلى أسوأ.
لكن رأيا اقتصاديا آخر يرى أن التعتيم على رجال الأعمال المتعثرين يدخل ضمن ما يطلق عليه رجال الاقتصاد «الحنكة الاقتصادية».. التى تفرض على الدولة إخفاء معلومات عن أمور تجارية ومالية حتى لا يستغلها أى طرف خارجى فى الإضرار بالاقتصاد المصرى..
هذا الرأى يذهب إليه أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق عبدالرحمن الصالحى الذى يرى أنه يجب ألا ننظر للتعتيم الذى تفرضه الحكومة على القوى الاقتصادية ونتناسى جهودها لحماية اقتصاديات البلد، كما أن التعتيم هنا لا يضر بالعملاء «لأن ما حدث فى أزمة تعثر بنك القاهرة صنع جيلا من العملاء فى منتهى اليقظة لتعاملاتهم الاقتصادية وبالتالى لم تعد تجدى الشفافية فى مثل هذه الأمور كثيرا» حسبما يرى الصالحى الذى يضيف أن التعتيم يهدف إلى عدم المساس بسمعة رجال الأعمال الذين استفاد الاقتصاد المصرى لفترات من مشروعاتهم..
لكنه قال مستدركا «إلا أن هذا التعتيم لا يجب أن يطول للدرجة التى يضر فيها بالاقتصاد المصرى بمعنى ألا يقترضوا أموالا لا يقيمون بها مشروعات ذات مردود إيجابى على الاقتصاد المصرى».
انتهى كلام الخبراء ومازال السؤال مطروحا هل يمكن للتستر والإنكار أن يحمى الاقتصاد أم أن الشفافية هى التى تصون وتمنح الاقتصاد قوته؟.
لمعلوماتك...
◄150 مليون جنيه حصل عليها رجل الأعمال الأشهر مصطفى البليدى من البنوك وترك البلد
◄15 مليار جنيه حجم الديون التى اقترضها رجال أعمال من البنوك وتعثروا فى سدادها أو إعادة ترتيب أوراقهم مع الجهاز المصرفى المصرى حسب ما رصده الخبير المصرفى نبيل حشاد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة