فى أحد التقاطعات المهمة على كورنيش النيل، يقف «محمود وبس»، فهو يخشى ذكر اسمه كاملاً: «الحكاية مش ناقصة مشاكل، كفاية اللى احنا فيه, ربنا يسترها».
محمود عسكرى مرور، مثله مثل الآلاف من زملائه، يقف فى المطر, وعواصف أمشير, وبرد طوبة, وشمس يوليو الحارقة, ورطوبة أغسطس, تجده ليلا ونهاراً، يقف محركا ذراعه ذات اليمين وذات الشمال، تشير يده للسيارات غالبا، لكنها تمتد فى أحيان أخرى لتلتقط بخفة جنيه, اتنين, خمسة: «كل واحد حسب قدرته وماركة سيارته» ليسمح للباشا بالسير عكس الاتجاه أو الدوران فى التقاطع المعاكس.
محمود يقول: احنا واللى زينا مالناش تمن فى البلد دى، لكن لازم ناكل ونعيش ونربى ولادنا، أنا عارف إنها رشوة بس أنا مضطر أعديهم عكس الاتجاه وآخد الثمن، ده حقنا ولازم ناخده بالعافية مادام محدش بيديهولنا بالذوق، وده اللى نقدر عليه.
يشعر محمود بالمرارة فيسترسل فى الحكى عن نفسه: من كام شهر على طريق الكورنيش ناحية المعادى صدمت عربية «هامر» أحد زملائنا الساعة 4 الفجر، العربية كان فيها شاب سكران، ولم يحدث شىء سوى تكفين زميلى ودفنه, هى دى قيمتنا باختصار, أما معيشتنا فهى كالتالى, مرتب مايعييش واحد بطوله يبقى ازاى هنفتح بيوت؟ يعنى أنا مثلا لازم أروح قسم الشرطة التابع لمنطقة عملى مرتين يومياً للحضور وللانصراف، وبروح المشوارين على حسابى فى المواصلات، وكذلك لو عملت أى مأمورية فى نطاق العمل بتكون على حسابى، إحنا مش بناخد بدل تعليم لولادنا زى الضباط، يبقى نعلم ولادنا إزاى؟ أنا عندى بنت واحدة ح تدخل المدرسة السنة اللى جايه ومش عارف أجيب لها منين؟ لدرجة إن مراتى قالتلى شكلهم مش عايزنا نعلم العيال يا محمود.
إحنا بنقف بالليل وبالنهار، بنستنشق عوادم سيارات ومعرضين للموت فى أى لحظة، ومع ذلك ملناش تأمين صحى ،ولا بدل مخاطر، ولا بدل مواصلات، ولا حتى إجازة، هكذا يعرض محمود مشكلته التى يراها أزلية، ويضيف: وكمان الرقابة علينا هى رقابة للضرر والخصومات ،وليس لإعطاء حق أومكافأة أو جلب مصلحة, نحن نهان من الجمهور ومن الضباط ومن كل الرتب اللى أعلى طبعاً, نهان بكل الصور بدءاً من الشتائم مروراً بالاحتقار وصولاً للضرب.
دموع لمعت فى عين رجل المرور وهو يكمل قائلاً: «وحتى أبسط حق إنسانى ولا مؤاخذة فى وجود حمام قريب من مكان العمل، نستطيع فيه قضاء حاجتنا, لايوجد, حتى فى ديه إحنا لازم نتصرف».
مسح محمود دموعه التى فشل فى ابتلاعها كما يبتلع عوادم السيارات والإهانات وأضاف: «من الآخر إحنا مش بنى آدمين، مفروض يسمونا شحاتين مرور، مش عساكر مرور».
بنقف بالليل وبالنهار.. ومعرضين للموت فى أى لحظة وملناش تأمين صحى ولا بدل مخاطر ولا حتى إجازة
اعترافات عسكرى مرور: لما حد يدينى فى إيدى جنيه ولا اتنين عشان أعديه عكس الاتجاه بتبقى رشوة.. آخدها ولا أموت من الجوع؟
الخميس، 02 أبريل 2009 10:13 م
تصوير- عصام الشامى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة